فاجأ حمزة منديل الجميع وهو يغادر ليل الفرنسي ويطير صوب ألمانيا للتعاقد مع شالك، حيث أبرم صفقة العمر وحرق المراحل ليجاور زميله أمين حاريث داخل أسوار القلعة الزرقاء.
البوندسليغا العاشقة للاعبين الشباب واصلت خطف الأشبال، وأبت إلا أن تحلق الموسم الجاري بأجنحة الفريق الوطني عبر الثنائي الواعد أشرف حكيمي وحمزة منديل.

البداية من الوداد
إنطلق حمزة منديل من بيت الوداد البيضاوي، حيث لعب في الفئات الصغرى للفريق، وحَبا خطواته الأولى في عالم كرة القدم بين أحضان الزعيم الأحمر، ليمارس ويصقل موهبته كباقي أقرانه مع الفريق الذي يعشقه.
منديل قضى بضع سنوات بالدار البيضاء وأبان رغم صغر سنه عن مستوى تقني وبدني محترم، مما جعل مسؤولي أكاديمية محمد السادس بسلا يتصلون به ويخطفونه ويلحقونه بمركز التكوين الذي ينهج إستراتيجية إحترافية تزاوج بين الدراسة والرياضة.

الأكاديمية تكوّن وتصدر
صدم منديل الوداديين وهو يفر طالبا اللجوء بأكاديمية محمد السادس رفقة العديد من المواهب من مختلف الأندية المغربية، مستسلما للإغراءات الرياضية والظروف الإحترافية التي وفرها لهم المسؤول الأول عن الأكاديمية أنذاك ناصر لاركيط.
وجد الطفل نفسه وحيدا بعيدا عن الأسرة، وآثر على نفسه وقاوم العزلة حبا في التعلم وفرض الذات بين أصدقائه الجدد كيوسف النصيري ونايف أكرد، وتمكن من الإستفادة من تكوين مدته 5 سنوات، ليبلغ 17 سنة وهو جاهز للممارسة على أعلى مستوى، فما كان للاركيط إلا أن صدّره إلى نادي ليل لخوض أول تجربة إحترافية في مشواره.

صعوبات لفرض الذات
بسبب العلاقة الجيدة بين ليل وأكاديمية محمد السادس أفلح الفريق الفرنسي من الإستفادة من بعض الخريجين المتميزين في السنوات الأخيرة، منهم من فشل وغادر بسرعة ومنهم من تشبت بفرص النجاح رغم الصعوبات.
منديل إلتحق سنة 2016 بفريق الرديف الذي لعب معه سنة كاملة، قبل أن ينضم للكبار في الموسم الموالي ويوقع عقدا إحترافيا، لكنه عجز عن إثبات الذات وحجز مكانة رسمية في المباريات، ليبقى في مجمل الأوقات خارج لوائح اللقاءات أو رهين كرسي الإحتياط في أفضل الأحوال.
الموسم الماضي بأكمله إكتفى بالحضور في 9 مباريات فقط كأساسي بالليغ1، وبعض المواجهات في الكأس، ومن سوء حظه أن ليل كان يشكو ويئن وتحت تهديد النزول للقسم الثاني.

صفقة ولا في الأحلام
حضّر منديل بشكل طبيعي للموسم الجديد مع ليل وتوقع الكل أن يكون عنصرا أساسيا في ظل رحيل مجموعة من اللاعبين، ويثبت أخيرا علو كعبه ويجد الإستقرار والتنافسية العالية والثابتة.
لكن الشاب آثر تغيير الوجهة وحرق المراحل، ومباغثة الجميع بإنتقال مفاجئ إلى العملاق الألماني شالك، علما أنه كان على وشك حط الرحال بأرسنال الإنجليزي في آخر ساعات الميركاطو بالبريمرليغ.
صفقة ولا في الأحلام وعقد مغري بقيمة مالية وصلت 7 ملايين أورو لمدة 5 سنوات، ومغامرة مجنونة لفتى وجد نفسه حالما ومكتشفا داخل قلعة كبيرة في عز بحثه عن فرض الذات والعثور على مساحة للعب.

شالك يرحب بالفتى الذهبي
أبدى شالك سرورا بالتعاقد مع منديل، وأكد عشقه للمواهب الصغيرة ووفاءه للاعبين المغاربة في المواسم الأخيرة، إذ ضم في سنتين الثلاثي بلهندة وحارث ومنديل.
النادي الأزرق الشهير سيدفع بالظهير الأيسر الواعد لتعويض المصاب باستيان أوزيبكا الذي سيغيب لفترة طويلة، وسيعطيه مجالا للتطور والتعلم واللعب في مسابقات كبرى كالبوندسليغا وعصبة الأبطال الأوروبية.
مدرب الفريق والمربي توديسكو رحب بمنديل ووصفه بالشجاع والنشيط والسريع، مؤكدا أنه راقبه منذ مدة طويلة ومعجب ببنيته الجسدية وطريقة لعبه، مشيرا أن اللاعب يعد بالشيء الكثير.

ديربي الرور ضد حكيمي
أقوى ديربي في ألمانيا وأحد أشرس المواجهات بين الجيران على الصعيد الأوروبي، تلك التي تدور بين شالك ودورتموند، حيث جميع توابل المتعة والتشويق والصخب.
ديربي الرور هذا الموسم سيكون بنكهة مغربية خالصة، إذ سيحضر فيه الثلاثي منديل وحارث وحكيمي، وسيعرف على الخصوص حوارا مثيرا وغير مسبوق بين ظهيري الفريق الوطني.
منديل في الرواق الأيسر لشالك سيقف وجها لوجه أمام حكيمي صاحب الرواق الأيمن بدورتموند، مما ينبئ بمعركة كروية مثالية لأسدين يشقان طريقهما بأفضل صورة ممكنة.

المدلل الأول لهيرفي رونار
من المفاجآت التي حملها الناخب الوطني هيرفي رونار فور توليه مسؤولية تدريب الأسود في مارس 2016، مناداته على لاعب مغمور ويلعب مع رديف ليل ولا يعرفه أحد، إسمه حمزة منديل.
الأخير ومن الظل وعالم الهواية دخل العرين دون مقدمات ولا إجتهادات، مستفيدا من توصية خاصة لناصر لاركيط الذي طالب بضمه للأسود صحبة يوسف النصيري، وهو ما إستجاب له الثعلب الفرنسي فورا.
منديل الذي رفض اللعب لفيلة الكوت ديفوار وعقوق والده الإيفواري، أصبح في ظرف وجيز المدلل والظهير الأيسر الرسمي للفريق الوطني، وخضع لعناية شديدة وحماية كبيرة من رونار ومجموعة من اللاعبين المخضرمين كبوصوفة وبنعطية والأحمدي.

مجد وشهرة في سنتين
سنتان فقط هي المدة الفاصلة بين تخرج المحظوظ منديل من أكاديمية محمد السادس وتعاقده مع شالك الألماني، في رحلة أقصر من حبل الوريد وسفر أشبه بالجنون.
24 شهرا كانت كافية ليلج الشاب عالم الإحتراف بالليغ1 مع ليل، ثم يلعب أكبر مسابقتين قاريتين وعالميتين مع الأسود بحضوره "الكان" و"المونديال"، قبل أن يغزو الأراضي الألمانية في صفقة مالية محترمة جدا.
ورغم أنه لا يجد الترحيب ولا يقنع الكثير من الجماهير المغربية والرأي العام المحلي، ويتعرض لنقذ لاذع في عدة مباريات دولية، إلا أن منديل يسير بثقة عالية في النفس ولا يسمع ما يُقال عنه، جامعا المجد والشهرة والحظ.