كثيرا ما كنا بإيعاز من حالات احتقان تطفو على سطح المشهد الرياضي الوطني، أو تحت تأثير الإنفعالات السلبية جراء اليأس الذي يصيبنا من ديمومة الإختلال أو بتحريض من الذين يحلو لهم اللعب في المناطق المحظورة لتصيد الفراغات القانونية، كثيرا ما كنا، لكل هذه المسببات، نشكك في قوة ونجاعة تشريعاتنا الرياضية، ونرمي الفشل والإخفاقات والتلكؤات على نصوصنا الرياضية ونحذف عليها جزافا تهمة، أنها إما فضفاضة، أو قاصرة عن التجاوب مع المنظور الحديث والعلمي للرياضة.
والحقيقة أن أساس المشاكل ومصدر الصدع الذي يحدث بآثار رجعية سلبية المفعول والمدى، أننا قاصرون لحد بعيد في تنزيل مضامين التشريعات الرياضية الوطنية، والتي أنجز على مدار حقب من الزمن، مجهود كبير من أجل تحيينها وتلقيحها وملاءمتها مع الرياضة بتعريفاتها الجديدة والمحينة في منظومات الدول المتقدمة، فمن يتحدث عن فراغات قانونية، سيجد بمجرد النفاذ إلى النصوص القانونية، أن الإشكال الكبير هو في تطبيقنا لهذا القانون، إما بسبب أن الوزارة الوصية أبدت لزمن طويل الكثير من الليونة مع الجمعيات والجامعات على حد سواء، إعمالا لمبدأ المرافقة والمصاحبة، وليس لمبدإ الصرامة في التقيد بروح القانون، وإما بسبب أن جيوب المقاومة ومن يسكنون في مغارات سيئة السمعة يجتهدون في تعطيل محرك التطبيق الكامل لروح وجوهر النصوص الرياضية.
على مدار العقود الأربعة التي هي قوام الزمن الإعلامي الذي أمضيته في المشهد الرياضي الوطني، عشت تجارب كثيرة وحروبا طاحنة كان المستهدف الرئيس فيها هو القانون والتشريعات الرياضية الملزمة، وكثيرا ما كان قانون التربية البدنية والرياضة يرمى بعيب ليس فيه، ويتهم بقصور هو أكبر منه، بينما العيب الكبير هو في تطبيقنا لهذا القانون، هو في مقاومة المنتفعين والمستفيدين من الرياضة لتيار الدمقرطة الذي يتأسس عليه، وقد أمكنني الوقوف عند مشاركتي في خلية تحيين قانون التربية البدنية والرياضة، خلال المناظرة الوطنية للرياضة المنعقدة قبل عشر سنوات بالصخيرات، والتي منها ولدت الهيئة الجديدة لهذا القانون، أمكنني الوقوف على حقيقة صادمة وهي أن نسبة معتبرة من بنود ومواد هذا القانون كانت عاطلة وغير نافذة المفعول، إما لأن الأحكام التطبيقية لم تعامل بقوة النفاذ التي يجب أن تتمتع بها، وإما لأن تلك الأحكام لم تصدر أصلا.
وقد تساءلنا وقتها، كيف نفتحص ونقيم قانونا ظلت بنود كثيرة منه لحقبة زمنية معينة خارج التطبيق، لذلك يبدو الرهان الحالي والقوي لوزارة الشباب والرياضة، بعيدا عما يجرى الترويج له، هو شرعنة هذا القانون، أقصد قانون التربية البدنية والرياضة 30-09، هو تمتيعه بكل وسائل وأدوات التنزيل المعقلن، فالقانون يحدد الهوية ويشرعن العلاقات ويسمي الفاعل المباشر في المشهد الرياضي، وإزاء هذا لابد من درجة معينة من الإلتزام بالأحكام التي تعطي الحق قانونا لهذا الفاعل مهما كان اختصاصه ليكون طرفا في معادلة الإشتغال بالرياضة.
وطبعا عندما تدعى اليوم الجامعات الوطنية والجمعيات الرياضية، لملاءمة أنظمتها الأساسية مع الأنظمة النموذجية الصادرة عن وزير الشباب والرياضة قبل سنتين، فهذا طريق أول للتقيد بأحكام القانون، ثم إن في الأمر تنزيلا لما ذهب إليه قانون التربية البدنية والرياضة من أن الجمعية الرياضية، عليها أن تكون أول الأمر متلائمة في نظامها الأساسي مع النظام النموذجي لتحصل على الإعتراف الرياضي، الذي من دونه لن يكون مسموحا لها بمزاولة النشاط الوحيد أو المتعدد بحسب ما يقوم عليه تعريفها القانوني.
وستكون وزارة الشباب والرياضة أمام مسؤولية خطيرة، وهي أن تحدد تبعا للقانون، من هي الجامعات والجمعيات المخول لها قانونا تنشيط المشهد الرياضي الوطني، وفي ذلك إنهاء لحقبة سادت فيها الجمعيات الرياضية الوهمية التي يتم خلقها في تحايل صريح على القانون لربح المعارك الإنتخابية أو طمعا في كسب الأصوات أو سعيا للإرتزاق ونيل حصة من المال العمومي المرصود للجمعيات الرياضية.
أعرف أنها معركة حقيقية تخوضها الرياضة الوطنية من أجل الإنتصار لتشريعاتها ولأنظمتها وللبعد الإحترافي الذي تريد أن تضفيه بخاصة على رياضة المستوى العالي، وأعرف أن كثيرا من التصادمات ستحدث، كما أعرف أن كثيرا من التأويلات ستخرج من الجحور إياها، ولكنني مقتنع في ظل هذا الخوف المسؤول، أن المنتصر الوحيد في كل هذا هو الرياضة الوطنية، المسؤولة من قانونها على بناء الإنسان وعلى صيانة المشروع المجتمعي والديموقراطي الذي يراهن عليه المغرب.