عندما اعتزل المهاجم السعودي الفذ، هداف النصر ماجد عبد الله، وضعوا الرقم 9 في الإقامة الجبرية، وختموا عليه بالشمع الأحمر، وحجبوه عن القمصان الصفر لسنوات، إلى أن جاء حمد الله وانتفض فارسا لزمانه وأكد للنصر أنه يستطيع أن يحيي هذا الرقم ويعيد إليه سره وهيبته ولمعانه.. فاستوطن كل القلوب.

مع كل حزمة أهداف، ثنائية أو ثلاثية أو رباعية كانت.. يجتهد الإعلام السعودي في وصفه وتصنيفه، وصفوه بالثعلب الماكر، وبالفهد الجائع، وبالأسد القاتل، وبالقناص المدمر، وتعددت الأوصاف، وعندما أضناهم الوصف كتبوا مرة بالعنوان العريض على الصفحة الأولى "حمد الله وبس".. لكن هذا المهاجم الفريد من نوعه دائما يرد: "لا تعذبوا أنفسكم في تصنيفي، فأنا هداف فقط، أرفض كل الوصف والمواصفات، ابتلاني ربي بمهمة متناقضة.. أن أسعد البعض وأحزن البعض".

حتى مدافعي الأندية وحراس المرمى والخصوم في السعودية الذين كان يعطيهم الانطباع بأنه هادئ وساكن لا يمكنهم أن يدَّعُون البراءة لحمد الله لأنه تجاه كل هؤلاء مسعور ومجنون وعدواني بالفطرة، كما لا يمكنه هو نفسه أن يَدَّعي أنه مسالم ووديع وضابط للنفس لأن غايته الأساسية أن يضرم النيران في المرمى ويحرق كل الشباك.. ويظل حارقا كالوهج الذي لا ينطفئ.

التهديف عند حمد الله محصول فطري لا يعرف مغزاه إلا المبدعون أصحاب المواهب الهادرة.. كما أن الموهبة عنده تختلف عن كل المواهب الأخرى، فهي تعطيه تفويضا بالقتل والنسف واغتيال أحلام الآخرين.. فحمد الله لا يستطيع أن يمارس مهمته بتجرد، أو بحياد أو بنصف انفعال.. كما لا يستطيع أن يسلب نفسه القدرة على الضرب بقوة أمام الشباك مهما كان الأمر.

كانت عين النصر ثاقبة، عندما جازف إداريوه ووقعوا له عقدا لمدة ثلاث سنوات، وهو مصاب، حتى وهو ابن الـ28 من العمر، ولم تلتئم جراحه بعد من آثار الإصابة القوية والعملية الجراحية التي غيبته لأزيد من أربعة أشهر بسبب "ضربة قاتلة" في الملاعب القطرية.. ولم يخيب حمد الله ثقة النصراويين، وأكد سريعا أنه هداف من العيار الثقيل يشكل مع الشباك توأما سياميا ربما إلى الأبد.

إلى عرش الهدافين

في بداية الأمر تردد المدرب السابق الأوروغواياني دانييل كارينيو في اعتماده مهاجما أساسيا للنصر، لذلك بدأ احتياطيا ويشارك في نصف زمن كل مباراة أو أقل.. لكن أزمة النتائج العابرة التي مر منها النصر بخروجه من بطولة كأس زايد وعجلت بإقالة كارينيو، كانت فاتحة خير على حمد الله، الذي قرر أن ينتقم لموهبته قبل كبريائه، وأكد للمدرب المؤقت البرتغالي هيلدر كريستوفاو أنه لن يندم إن جعل منه رأس الحربة التي غنى عنها في كل مباراة، ولم يخيب حمد الله الظن. وعندما تعاقد النصر بعد ذلك مع المدرب الحالي البرتغالي روي فيتوريا شعر هذا الأخير أنه أسعد مدرب في السعودية، لأنه يمتلك المفتاح السري لكل المباريات.

وتسلق حمد الله سريعا بفضل ثقة مدربه الزائدة كل الدرجات، وأزاح كل الهدافين المرشحين للقب هداف الموسم الذين تناوبوا على مركز الصدارة.. من السوري عمر السومة هداف الأهلي، إلى الفرنسي بافيتمبي غوميز مهاجم الهلال، إلى الكامروني لياندر توامبا مهاجم التعاون. وتربع بعد الجولة 24 على عرش الهدافين برصيد 21 هدفا.. كما تربع عرش هدافي كأس الملك بـ11 هدفا حتى الآن في ثلاث مباريات.

إلى صدارة البطولة

وسجل حمد الله في البطولة السعودية 21 هدفا حتى الآن وهذا هو الرقم الأعلى في تاريخ المهاجمين الأجانب لدى النصر، ومنح فريقه أيضا 21 نقطة أكثر من أي لاعب آخر، وهي حصيلة مهمة جعلت النصر في المركز الثاني يصارع الهلال البطل على صدارة ترتيب الأندية.

وسجل الأسد المغربي 33 هدفا خلال 25 مباراة لفريقه في كل البطولات التي شارك فيها حتى الآن، وزار الشباك في كل المواعيد الكبرى أمام الهلال والأهلي والاتحاد والشباب، وبات الأكثر تسجيلا بالرأس بـ5 أهداف، والأكثر نجاحا في ترجمة ضربات الجزاء إلى أهداف بـ5 أيضا.. كما تمكن من صناعة 6 أهداف، كثاني صانع للأهداف حتى الآن في البطولة السعودية.

مطلوب بالـ"كان"

لم تغفل أبدا عين مدرب المنتخب المغربي هيرفي رونار، عما يثيره حمد الله من ضجيج أعلامي في الشرق والغرب بسبب أهدافه المتناسلة كالفطر، لذلك ترصد الفرصة الملائمة لضمه من جديد إلى صفوف أسود الأطلس وهو الذي سبق أن مر بتجربة سابقة مع المدرب الأسبق الزاكي بادو.. وتعلل حمد الله بأسباب عائلية تحول بينه وبين الالتحاق بصفوف الأسود، وهو ما أغضب كثيرون، ومنهم المدرب رونار نفسه.

ومثلما تحرك فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم صوب هولندا، وأعاد موهبة أجاكس إلى حضن الأسود بعد سوء تفاهم بينه وبين المدرب رونار.. على لقجع أن يتحرك مرة أخرى صوب السعودية ليحرك المياه الراكدة في علاقة حمد الله بالأسود، ويعيده إلى العرين قبل انطلاق نهائيات كأس أمم إفريقيا التي سيشارك فيها المنتخب الوطني الصيف القادم في مصر.. فالمنتخب الوطني حتى وإن كان يزخر بالعديد من الهدافين من طينة يوسف النصري وخالد بوطيب وأيوب الكعبي ووليد أزارو وأسامة الإدريسي، وغيرهم.. لا بد أن يكمل عقده بموهبة أخرى قد تكون مكملة، وقد تفوق في وزنها وقيمتها كل المواهب الأخرى.