نصير مزراوي.. هذا الشاب الخجول الذي تفجرت مواهبه بشكل مفاجئ في هولندا، كان ينوي ترك أجاكس بعد تجربة موسم واحد، فقد أخبره نادي أمستردام أنه لم يظهر بمستوى أداء جيد، وأنه سيحظى بفرصة جديدة خلال موسم إضافي، وعليه أن يستغل الفرصة أو يغادر!! كانت كلمات أجاكس مثل الحطب الذي أشعل لهيب الحماس في داخله، فقرر الانتقام لنفسه، وتفجرت مواهبه بشكل أدهش كل الهولنديين.. 
قصة نصير مع الكفاح من أجل تحقيق النجاح تستحق أن تروى بالكلمة والصورة. 

المواجهة بأي ثمن
كان مزراوي على وشك أن يترك أجاكس، أو على الأقل أن يلتحق بفريق الهواة في نفس النادي، فقد كانت سنة 2016 كارثية بالنسبة إليه، فبالإضافة إلى الإصابة التي مني بها وأثرت على مستوى أدائه، تزامنت الفترة الصعبة التي مر بها بفترة الإمتحانات في الإعدادية، فكان عليه أن يصارع على كل الواجهات، وأن لا يستسلم مهما كان الثمن.
 كان لصديقه نايك نيم ولوكيل أعماله دورا كبيرا في إقناعه بعدم الإستسلام، وبعدم ترك أجاكس مهما كان السبب. وبدأ نصير المعركة ضد كل المعوقات ليستعيد ثقة الأجاكسيين من جديد. كان يحرص على الذهاب للتدريبات في الوقت المحدد دون أي تأخير، كان يستقل الحافلة باسمرار، وإذا اضطرته الظروف ليركب السيارة كان يستعيرها من والدته، كما كان يعمل في أوقات الفراغ في بعض مطاعم الوجبات السريعة لتوصيل طلبات «البتزا» لأصحابها للحصول على مصروف الجيب.  
 ومن حسن حظ نصير أن مدربي أجاكس منحوه فرصة أخرى وجددوا عقده لسنة إضافية، إيمانا وقناعة منهم بأنه مر بفترة فراغ اضطرارية فرضتها الظروف.. واستغل نصير هذه الفرصة ليثبت ذاته ويؤكد علو كعبه من جديد، ويظهر للجميع أن تعثره كان مجرد كبوة عابرة سرعان ما نهض منها أكثر قوة وإصرار على النجاح. 
 نايك ليم صديق نصير الذي عاش معه مرحلة الطفولة، والتحقا سويا بأجاكس قبل أن ينضم هو لنادي ف.سي أولتريخت يرى أن نصير نجح في معركته ضد الإخفاق، وكسب رهان التفوق على الذات وعلى كل الصعاب، يقول: «أمر رائع جدا أن أرى نصير وقد حقق هذا النجاح الكبير، لقد خاض مباريات كأس عصبة الأبطال بتميز كبير، مستوى أدائه سار في خط تصاعدي كما يجب.. كان متعثرا بعض الشيء في البداية لكن خلال هذا الموسم كان في مستوى التطلعات، عندما أشاهده على التلفزيون أرى أنه يمتلك قواسم مشتركة مع حكيم زياش، إنهما يساندان بعضهما البعض، إنه أمر مهم بالنسبة لنصير اللاعب الشاب أن يجد إلى جانبه لاعبا في مستوى وحجم زياش». 

في حضن الوالدين
رغم تألقه المتواصل، ورغم أنه وقع على موسم ناجح بكل المقاييس، مازال نصير تظهر بنفس التواضع، ومازال يعيش مع أبويه في نفس الحي «ألفين نور»، وهو حي سكني رائع مع أشجار كثيفة ومياه متدفقة والعديد من ملاعب الكرة إضافة إلى المدارس الابتدائية التي تغطي الكثير من المساحات.
الوحدات السكنية في هذا الحي متعددة ومتنوعة ما بين البيوت المستقلة، والشقق الجماعية، لكن ليس هناك عمارات أو أي بنايات متعددة الطوابق.
كل الإعلام الهولندي بدأ يتحدث بعد تألق نصير على هذا الحي الذي شهد ولادة ونشأة نجم أجاكس الجديد.
نصير لديه شقيق واحد اسمه نوفل يبلغ من العمر 18 سنة، وشقيقة واحدة تدعى فاتن وعمرها 16 سنة، والداه يفتخران به بشكل كبير بعدما واجه كل الصعاب واستطاع أن يرسم لنفسه طريق النجاح مع سبق الإصرار. والده مصطفى مزراوي (49 سنة) لعب دورا كبيرا في شق طريقه كلاعب محترف. عندما كان مزراوي يعود إلى البيت بعد أي مباراة، حتى لو كان الوقت متأخرا، كان يفتح معه النقاش للحديث حول المباراة، كان مصطفى يبدي الكثير من الملاحظات بالرغم من بعده الكامل عن كل ما هو تقني أو تكتيكي في كرة القدم، وكان مزراوي ينصت بكثير من التواضع، حدث هذا كثيرا في المراحل الأولى لنصير وهو يخطو خطواته الأولى كلاعب. 
 مصطفى مزراوي انتقل مع والديه للعيش في هولندا وهو في الـ8 من العمر، درس هناك، ثم عمل في إحدى المؤسسات التي تعنى بشؤون الكهرباء مع شقيقن له اثنين، وهي ذات المؤسسة التي ما زال يعمل فيها.. وعندما كان نصير يلعب في فريقه الأول وهو مجرد طفل كان يوصي مدربه بأن يأتيه بنصير إلى المؤسسة التي يعمل فيها بعد كل مباراة أو حصة تدريبية  
في حوار له مع «دي فولخرانت» أكد نصير إلى أي حد كان لوالده مصطفى دور كبير في تطوره كلاعب بالرغم من شعوره أحيانا بالقسوة وهو طفل، كانت ملاحظات وتوجيهات والده في بداية مشواره قاسية لذلك يقول نصير: «عندما كنت أعود للبيت أحيانا كان والدي يقسو علي بملاحظاته رغم شعوري بأنني لعبت بشكل جيد، كنت أشعر بالمرارة، وكنت أحترق داخليا، لكن في نهاية الأمر أعتقد أن هذا كان في صالحي».
حتى والده مصطفى يعترف أن نصير تحمل ملاحظاته وهو طفل رغم قسوتها أحيانا، ويرى أن تواضع ابنه ساعده كثيرا في تقبل ذلك بصدر رحب.