ستقام نهائيات كأس أوروبا لكرة القدم 2020 على امتداد 12 بلدا مختلفا في القارة العجوز في سابقة تاريخية، ما سيتسبب بانبعاثات كثيفة نتيجة آلاف الكيلومترات التي سيقطعها المشجعون والاندية خلال شهر كامل.

وكان الاتحاد الاوروبي لكرة القدم (ويفا) أعلن عام 2012، حين كان لا يزال برئاسة الفرنسي ميشال بلاتيني، منح حق الاستضافة لـ12 دولة احتفالا بالذكرى الستين للمسابقة، فيما توعد المنظمون الحاليون بأن تكون هذه النسخة صديقة للبيئة.

الا أنه إذا نظرنا الى الوقائع، نجد انه سيكون من الصعب الالتزام بهذا الوعد؛ فعلى سبيل المثال سيتحتم على الجماهير البولندية السفر اكثر من 6 آلاف كيلومتر في غضون عشرة ايام لمتابعة مباريات دور المجموعات، حيث تلعب بولندا، التي اوقعتها القرعة في المجموعة الخامسة الى جانب اسبانيا، السويد ومنتخب سيتأهل عن الملحق، مبارياتها في دابلن ومن ثم بلباو الاسبانية قبل العودة الى العاصمة الايرلندية.

كما وستقام بعض المباريات في باكو عاصمة اذربجيان في أقصى شرق اوروبا على بعد ما يقارب 5 آلاف كيلومتر من لندن التي تستضيف مبارتي نصف النهائي والمباراة النهائية في ملعب "ويمبلي".

على عكس نسخة 2016 التي أقيمت في فرنسا، والنسخة المقبلة التي تستضيفها المانيا عام 2024، حيث المسافات قصيرة كفاية للتنقل بسهولة عبر القطار.

وقالت الفرنسية كاريما ديلي، العضو في أحد الاحزاب الفرنسية المدافعة عن البيئة ورئيسة لجنة النقل والسياحة في الاتحاد الاوروبي، لوكالة فرانس برس "هذا هراء كامل من وجهة نظر بيئية. يقولون إن النظام الجديد من شأنه أن يظهر وحدة اوروبا، لكنهم ينسون أن هناك حالة طورائ مناخية".

الا ان ويفا يؤكد أنه أخذ "حالة الطوارئ" هذه بعين الاعتبار مؤكدا أنه "يأخذ الخطوات لضمان أن تكون كأس أوروبا 2020 اكثر المسابقات وعيا تجاه البيئة حتى الآن".

بفضل نظام المسابقة المعتمد، سيخوض بعض المنتخبات الكبرى كإنكلترا، المانيا، ايطاليا، اسبانيا وهولندا، "المعروف ان جماهيرها تسافر بعشرات الآلاف في المسابقات الدولية الكبرى"، جميع مبارياتها في دور المجموعات على ارضها.

وقال مسؤول في ويفا لوكالة فرانس برس إن هذا الامر "سيقلل بنسبة كبيرة من انبعاثات الكربون في هذه النسخة".

الى ذلك، ملعب "بوشكاش أرينا" في العاصمة المجرية بودابست هو الوحيد الذي يتم بناؤه من أجل المسابقة، حيث يعتبر ويفا أن هذا الامر وف ر "تكلفة بيئية ضخمة في مجال الطاقة، الخرسانة وغيرها من الموارد"، في حين تم بناء اربعة ملاعب في فرنسا قبيل اورو 2016.

هذا ويعتبر أندرو ويلفلي، باحث في مركز تيندال لأبحاث التغير المناخي في جامعة مانشستر، أن البناء هو "المسبب الرئيسي للتلوث" في البطولات الكبرى"، ما يعني أن هناك "فارق كبير" بين الانبعاثات التي سيسببها اورو 2020 وكأس العالم 2022 في قطر على سبيل المثال، حيث يتم بناء الملاعب الثمانية جميعها في الدولة الخليجية من نقطة الصفر او تخضع لاعادة ترميم.

ويشير ويلفلي الى أن الانبعاثات الناتجة عن الجماهير المسافرة هي "أصعب ما يمكن تحديده بالكمية. إذ ستستند التقديرات على الكثير من الفرضيات المختلفة التي ستكون بحد ذاتها واقعية الى حد ما".

وأشار الاتحاد الاوروبي لكرة القدم أن الجماهير والفرق ستنتج ما يقارب 425 الف طنا من انبعاثات الكربون طيلة فترة المسابقة، مقارنة بـ517 الف طنا خلال كأس أوروبا 2016 في فرنسا.

هذا وأفادت تقارير صادرة عن منظمي كأس العالم 2018 التي أقيمت على امتداد 11 مدينة في روسيا بمشاركة 32 منتخبا (بدلا من 24 في الاورو)، أن كمية الانبعاثات بلغت ما يقارب 1,5 مليون طنا.

لتعويض كل ذلك، يتعهد "ويفا" بالاستثمار في "مشاريع لخفض الانبعاثات"، ويزعم زراعة 50 ألف شجرة في كل مدينة مضيفة من أجل "ترك إرث دائم". الا ان ذلك لا يقنع الخبراء.

إذ يعتبر ويلفلي أن "زراعة الاشجار أمر جيد، ولكن زراعة الاشجار ومن ثم الرحيل لا يحل المشكلة. في نهاية المطاف فإن ذلك لن يغير من كمية الانبعاثات الناتجة خلال النهائيات".

كما ويسعى الاتحاد الاوروبي لخفض الانبعاثات من خلال الاتاحة للجماهير استخدام وسائل النقل العام مجانا في ايام المباريات وإعادة تدوير المزيد من النفايات.

ورغم كل تلك الخطوات، الا ان الهاجس الاكبر الذي يقف في وجه البيئة هو توسيع المسابقات الكبرى بعد أن بات 24 منتخبا يشارك في كأس أوروبا بدلا من 16، في حين سيرتفع العدد في المونديال الى 48 بدلا من 32.

وعلق ويلفلي "إذا ما أصبح التغير المناخي أولوية، هناك العديد من السبل لتنظيم هذه المسابقات بطريقة مختلفة. لماذا لا يتم اختيار البلد المضيف على أساس مسألة النقل؟ ربما بإمكانهم خفض عدد المباريات".

واعترف رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم السلوفيني ألكسندر تشيفرين في شتنبر الماضي أن كرة القدم "لم تفعل الكثير من أجل البيئة".

من غير المرجح أن ي عتمد هذا النظام على امتداد أوروبا في الاعوام المقبلة وقد أشاد ويفا "بالبنى التحتية الممتازة" في ألمانيا مضيفة النسخة المقبلة. فهل يكون اورو 2024 اول مسابقة صديقة للبيئة فعليا؟