خلف ابتسامتها الطفولية، وصوتها الوديع، تكمن شخصية قوية لشابة مقدامة، مهيبة، ورياضية من المستوى العالي. بمنزلة حكم دولي في الملاكمة عن سن 25 عاما، جعلت أميمة السملالي من الحلبة حديقتها وفضاء التعبير عن ذاتها. هناك، حيث تفتحت حكمتها المبكرة، شحذ التمرس جهازها النفسي الحديدي. يلهج لسان هذه المكناسية بمديح الحياة التي تستلذها يوما بيوم. ذلك أن التحكيم في عرفها ليس مهنة. إنه شكل آخر لممارسة شغفها الرياضي، مدرسة لزرع الثقة في النفس وتعهد فضيلة الاحترام. ولئن كان مربع الحلبة مكانا سحريا للمعاناة والمجد والهزيمة المرة أحيانا، فإنه بالنسبة لها تمرين جيد على التحكم ومراعاة القواعد ونشدان التعبير عن الذات ومشتل للقيم، وإفصاح عن أوجه مغايرة من حساسية الكائن. على قدم وساق بين ممارسة رياضية متطلبة وحياة أكاديمية ومهنية نشطة، تواصل أميمة تكسير الحدود أمام مطامحها المتجددة. بعد حيازتها لباكالوريا في علوم الحياة والأرض، التحقت بكلية الحقوق بمكناس لمواصلة دراساتها العليا التي توجت في غضون بضع سنوات بإجازة في الاقتصاد والتدبير. وها هي اليوم بصدد التحضير لماستر في التسويق والاستراتيجيات التجارية، في الوقت الذي تعمل فيه لحساب مقاولة محلية. تدين في مسارها لأسرة متلاحمة، متشبعة بقيم الفن النبيل. فشقيقها بطل للمغرب ثلاث مرات ووالدتها كانت أيضا مدربة للملاكمة. الانتماء الى أسرة رياضية معروفة في هذا المجال، ليس فقط في مكناس، "صنع مني ما أنا عليه اليوم"، تقول الشابة في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء. لا ينسيها التفوق واجب الاعتراف. تحية صادقة توجهها الى الجامعة المغربية للملاكمة التي فتحت الطريق أمام مواهب شابة نسائية، خصوصا في مجال التحكيم. تستعيد قصتها بغير قليل من الفخر. "منذ دورتي التدريبية الأولى في التحكيم عام 2013، واصلت تسلق الدرجات، من حكم متدرب مرورا بحكم وطني قبل أن أحوز مرتبة حكم دولي". تواتر الحضور في القاعات المغلقة بين بطولات جهوية ووطنية مع تألق خاص في أمسية الملاكمة المغربية الفرنسية في مارس 2018. لا تنوي أول سيدة بزي حكم في جهة فاس مكناس التوقف عند ما أدركته من أهداف. فهي لا تكل من اقتناص فرص المشاركة في دورات تدريبية لتعزيز القدرات والتجارب. تتابع تطورات التحكيم على الصعيد الدولي، تتعلم اللغات الأجنبية من أجل تواصل أمثل على الحلبة في أفق إدارة مباريات متعددة الجنسيات. أبعد من الجوائز والتقديرات، فإن ما تحبه في الملاكمة، أن النزال "نزيه" وحقيقي. يتواجه الطرفان، يتبادلان اللكمات، لكن لا مجال للكذب أو الغش. على الحلبة، يواجه البطل قدره بما أوتي من قدرة على الصمود في وجه ضربات الخصم. نضج مبكر تنضح به شخصية أميمة. تستبطن فكرة فلسفية عن ممارستها للرياضة التي تعشق. لا تؤمن بأن التاريخ لا يذكر سوى المنتصرين على الحلبة. ثمة قيم أهم من الفوز. أما عن سر الملاكمة كمنافسة تقنية، فهي تجدها رياضة لتصادم خطط واستراتيجيات. التحكم التقني، تدبير المسافة وروح الإيقاع...مسالك الحسم التي يقتفيها الأبطال، حسب أميمة. لا يقف طموحها عند كتابة سطور في تاريخ الملاكمة بالمغرب أو حفر اسمها في سجل التحكيم الدولي. بل يتعلق الأمر بفتح آفاق وإضاءة درب أمام الفتاة المتطلعة الى نموذج للنجاح وتأكيد الوجود. تتطلع أميمة السملالي لإدارة بطولات عالمية يوما ما، لكن هاجسها الأول تمثيل المرأة المغربية وإشاعة صورة ناصعة عنها وإبراز تفوقها في جميع المجالات. وقناعتها لا تحيد: الملاكمة ليس رياضة للرجال فقط. للمرأة مكانها ومكانتها أيضا. إنه فن نبيل وممارسة بدنية تطيح بالأفكار المسبقة وتفسح الباب أمام انبثاق الشخصية والثقة في النفس.