ماتع وجامع مانع، داك الحفل الذي افتتح لاعرب مونديالهم الكروي، على إيقاع شتاء قطر الدافئ، فقد كان يكفي اللجنة المنظمة زمن يقدر بخمس عشرة دقيقة لكي تقدم لنا وصلة فنية بل وملحمية من وجه مشرق للعالم العربي على إمتداد جغرافيته من المحيط إلى الخليج، وجه أخفى لبعض الوقت تجاعيد الخلافات ورضوض الإنقسامات وتقاسيم الحزن على انكسار الأمل الطفولي المنبعث من أحيائنا العربية، وأشرق بشمس الحلم، التي إن لم تحجبها أدخنة الخلاف، قالت للعالم إنه يوم جديد يبدأ في حياة العرب.
شدتني إليها كلمات النشيد، وأطربتني موشحات اللحن والشجن، وسافرت بي وبكم الصور والرسائل المنتقاة إلى زمن كنا نرسم فيه خريطة لعروبتنا فلا تحدها حدود ولا تبعثرها تأشيرات، بداخلها يختلف النشيد ولون الرايات ولكن تتوحد الروح ويتوحد المصير ويتوحد التاريخ بوحدة القضية.
وبالقدر التي انتفضت حنايا القلب لزلزلة الكلمات في تدفقها كتدفق المياه من الشلال العالي، بالقدر الذي اتسعت رقعة الحزن بانتهاء وصلة الذكرى والتذكر، وقد عدنا إلى واقع المعاناة، لا نستطيع حتى أن نلملم مشاعرنا وقد تحولت إلى أشياء متناثرة هنا وهناك.
للمرة الثانية في كأس العرب، يتوحد النشيد وتهتف جموع ملعب البيت، مطالبة بعودة الزمن النقي، باستعادة الوحدة المهربة، وبإسعاف الأمل في رؤية حالنا العربي، على ذات الهيئة التي هو عليها اليوم في كأس العرب، وقد خلصنا من خصوماتنا وهو يقام تحت مظلة الإتحاد الدولي لكرة القدم، فلا منتخب تغيب ولا منتخب إعتذر ولا منتخب يشارك مجاملة أو حتى نفاقا.
هل يجب أن نتعلم من كأس العرب، كيف نلملم أشلاءننا، وندفن أضغاننا، ونفرمل سرعاتنا المجنونة نحو الخلافات ونحو نشيد الهجاء؟
في كأس العرب، كل المنتخبات استجابت للنداء وحضرت سواء أكانت متأهلة مباشرة بفضل تراتيبها في تصنيف الفيفا، أو كانت قد حضرت للنهائيات عبر بوابة التمهيديات، لم تحضر إذعانا لأوامر الفيفا فحسب، ولا تطلعا لإحراز لقب يمنح صاحبه منحة مالية تفوق بكثير ما يحصل عليه وهو بطل قاري فقذف، ولكن أيضا، لأن هناك صوتا بداخلنا جميعا، يتمرد على قساوة الزمن العربي، وبعلو فوق حرائق الأمنيات، ليطارد أملا أزليا، أمل أن العرب سيعودون إلى أصلهم مهما طال زمن الهروب من هذا الأصل.
«قسما بمن رفع السماء، قسما بمن نشر الضياء»، مستهل نشيد الوحدة، القوي بطابعه الحماسي والمجلجل بكلماته القوية والمعبرة، الحبلى بآيات الوطنية والهوية والانتماء، سنجعل من كأس العرب غاية الرجاء، لنعيد إرث الأجداد للحفدة والأبناء.
إضافة تعليق جديد