جاءت المشاركة الثالثة للمنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة في نهائيات كأس العالم تاريخية بكل المقاييس، بل إنها تجاوزت بكثير سقف الطموح والآمال، فإن كان الرهان الأكبر الذي راهن عليه هذا المنتخب وقد تحصل على تحضير هو الأقوى في تاريخ مشاركاته في المونديال، هو عبور الدور الأول، لتكون المشاركة الثالثة تابثة، فإن ما أفرزته المشاركة المغربية في نسخة ليتوانيا 2021 فاق كل التوقعات، وقد قدم الإشارة القوية على أن كرة القدم المغربية داخل القاعة باتت مرجعا من المرجعيات الدولية الكبرى، فالانتماء بقوة النتائج لأفضل ثمانية منتخبات في العالم بفعل الوصول للدور ربع النهائي يؤكد فعلا أن العمل القاعدي والممنهج والعلمي لا يمكن إلا أن يفرز نجاحات كبيرة كالتي كانت ليتوانيا مسرحا لها.
 

السفر الأول للمونديال
تعود أول مشاركة للمنتخب المغربي في نهائيات كأس العالم إلى سنة 2012 بتايلاند، ذلك أن أسود القاعة سيتأهلون للحدث العالمي الأبرز بعد حلولهم في المركز الثاني في تصفيات كأس العالم لكرة القدم داخل القاعة خلف المنتخب المصري.
ووضع المنتخب المغربي في المجموعة الثانية إلى جانب منتخبات إسبانيا، ايران وباناما. وخسر الأسود مباراتهم الأولى أمام منتخب باناما بحصة 8 مقابل 3، وكان أول من سجل هدفا مغربيا في نهائيات كأس العالم لكرة القدم داخل القاعة نجم نادي الوداد البيضاوي حاليا يحيى جبران.
وفي المباراة الثانية انهزم المنتخب الوطني بصعوبة أمام نظيره الإيراني بهدفين لهدف واحد وسجل هدف الأسود الوحيد يوسف المزراعي. واختتم الفريق الوطني مشاركته الأولي من نوعها في كأس العالم لكرة القدم داخل القاعة بخسارة أمام المنتخب الإسباني بحصة 5 ـ 1، وسجل هدف الاسود الوحيد طاليبي.

طبعة مونديالية ثانية بلا بصمة
أربع سنوات بعد ذلك سيعود المنتخب المغربي ليشارك في بطولة العالم النسخة الثامنة بكولومبيا سنة 2016، مشاركة ثانية لم تكن حصيلتها أفضل حالا من المشاركة الأولى، ذلك أن المنتخب المغربي سيوضع في المجموعة السادسة إلى جانب منتخبين واجههما في أول مشاركة له في التايلاند (إيران وإسبانيا) أما ثالث المنتخبات المشكلة لمجموعة الأسود فهو منتخب أذربيجان.
في أولى مبارياته عن الدور الدور سينهزم الفريق الوطني أمام أذربيجان بخماسية نظيفة، وسيخسر لاحقا في المباراة الثانية أمام منتخب إيران بحصة 5 ـ 3، وسجل أهداف الأسود كل من محمد جواد وعادل هبيل.
وفي ثالث مبارياته قدم المنتخب المغربي عرضا قويا أمام المنتخب الإسباني ولم ينهزم إلا بصعوبة بالغة بحصة 4 ـ 3، وسجل أهداف المنتخب المغربي في تلك المباراة عادل هبيل (هدفان) ويوسف المزراعي ليغادر الأسود مونديال كولومبيا متذيلين الترتيب العام بثلاث هزائم وصفر انتصار.

قفوا لتحية الأسود
ثالث المشاركات على التوالي لأسود الأطلس في مونديال القاعة كانت بطعم آخر وبمؤشرات دالة على أن الأسود لن يقبلوا بحصيلة سلبية كالتي خرجوا بها من أول مشاركتين، من دلائل ذلك أن المنتخب المغربي سيتأهل لنسخة ليتوانيا 2021 وهو بطل لإفريقيا في مناسبتين وبطل للعرب، كما أن من مؤشرات المشاركة الناجحة والمتميزة أن الفريق الوطني حصل على مساحة كبيرة للإعداد والتحضير بالعديد من المواجهات الودية أمام منتخبات تمثل أعرق المدارس في كرة القدم داخل القاعة.
وضعت القرعة المنتخب المغربي في مجموعة تضم جزر سليمان والبرتغال بطل أوروبا وتايلاند واحد من أقوى المنتخبات علي الصعيد الأسيوي وطبعا كان الرهان والإنجاز هو تحقيق الفوز الأول في تاريخ المشاركات بالمونديال وبعده تحقيق التأهل الأول من نوعه للدور الثاني.
وجاءت المباراة الأولى ممهدة لهذا الإنجاز التاريخي، إذ سيتفوق أسود القاعة بسداسية نظيفة على جزر سليمان محققين الفوز الأول في تاريخ مشاركاتهم في نهائيات كأس العالم. وكان بمقدور أسود القاعة تحقيق الإنجاز التاريخي بالمرور بشكل مبكر للدور الثاني عندما واجهوا منتخب تايلاند وكانوا متفوقين عليهم بهدف للا شيء، قبل أن يدرك تايلاند هدف التعادل في آخر الثواني.
وبرغم أن المنتخب المغربي بنقاطه الأربع لم يعلن بعد نهاية المباراة مؤهلا للدور الثاني، إلا أن ذلك سيتأكد مع إجراء باقي مباريات الجولة الثانية على مستوى المجموعة الأخرى ليتأكل أن قلة من المنتخبات هي التي جمعت أربع نقاط من مبارتين وسنحتفل جميعا بإعلان منتخبنا الوطني مؤهلا للدور ثمن النهائي، كإنجاز تاريخي غير مسبوق.
كان على المنتخب المغربي وهو يواجه البرتغال بطل أوروبا في المباراة الثالثة والأخيرة عن دور المجموعات أن يحقق نتيجة تضمن له المركز الأول أو المركز  الثاني على الأقل. وبالفعل جاءت المباراة مثيرة وسخية، بل وعامرة بالندية بين منتخبين بدا وكأن لا فرق بينهما على مستوى المهارة الفردية وعلى المستوى الخططي أيضا، فقد انتهت المباراة متعادلة (3 ـ 3) ليحصل أسود الأطلس على المركز الثاني وعلى تهنئة خاصة من الفيفا.
وما كان أسود الأطلس ليكتفوا بما أنجزوه حتى الآن، فقد كان لديهم شعور بأن هناك صفحة أخرى في الملحمة لا بد وأن تكتب، لذلك جاءت مباراة ثمن النهائي أمام المنتخب الفنزويلي قطعة ولا أروع في معزوفة الأطلس، إذ سيقدم الأسود مباراة بطولية ختموها بفوز تاريخي آخر ليحققوا تأهلهم للدور ربع النهائي وليجدوا في طريقهم أكبر المنتخبات العالمية، منتخب البرازيل بطل العالم في خمس مناسبات.
ومن كان يظن أن الأسود سيبيعون جلدهم بأرخص الأثمان سيخطئون، لأن منتخبنا الوطني سيقدم مباراة بطولية أخرى، بل إنه سيحرج المنتخب البرازيلي الذي تعود على الفوز بأريحية وبحصص كبيرة، إذ سيكتفي بهدف وقعه لاعبه رودريغو من ضرب خطإ مباشرة لينتقل إلى الدور نصف النهائي، ولتوضع خاتمة لملحمة الأسود، لفريق دخل البطولة مغمورا وخرج منها مرفوع الرأس وموشحا صدره بالعديد من النياشين.

«موسيو فوت صال»
إن كان الإنجاز التاريخي والرائع لأسود القاعة في مونديال ليتوانيا يسجل باسم لاعبين مهرة لم ترهبهم المباريات ولا الأجواء ولا حتى قوة المنافسين، وإن غدا منتخبنا الوطني للصالات من أكبر المرجعيات في كرة القدم العالمية، وإن حصلت كرة القدم داخل القاعة وطنيا على تأشيرة العالمية، فإنه هناك أبطالا آخرين ساهموا في صناعة هذه الملحمة الجميلة.
لعل أولهم هو الإطار الوطني هشام الدكيك الذي يحسب له أن هذا المنتخب هو من روحه وإبداعه وتميزه، فقد اشتغل معه لسنوات طويلة بكل جوارحه، منحه شغفه ووقته وخياله، لينتهي بنا ذلك إلى منتخب علا إسمه بين منتخبات العالم.
هشام الدكيك ليس مجرد مدرب، ولا تقني، ولا مبدع خطط، بل إنه مربي وعاشق ورجل يعيش مع حلمه، لذلك فإن ما أنجزه منتخب القاعة بليتوانيا هو جزء فقط من أحلام هذا الرجل الذي بات يلقب وطنيا وعالميا بـ «موسيو فوت صال».
ومع هشام الدكيك مبدع هذه الملحمة لا يمكن أن نسقط من الاعتبار الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم برئيسها فوزي لقجع الذي وضع بلا قيد أو شرط كل الإمكانيات الممكنة وحتى غير الممكنة ليستعد هذا المنتخب الوطني في أفضل الظروف بخاصة في ظرفية حرجة اتسمت بجائحة كورونا، حيث مكنت الجامعة أشبال هشام الدكيك من نزالات ودية على أعلى مستوى مع أعتد المنتخبات العالمية، وهو ما أوصل أسودنا بكامل الجاهزية والجرأة والتنافسية للاختبار العالمي.