• لماذا هو أهل لـ«الثالثة»؟
• من أجل كرة قدم مغربية تُنْتِج تُفْرِج وتُبْهِج

في كرة القدم، هناك مقولة مأثورة، هي أشبه بالمعادلة التكتيكية، تقول «لا نغير فريقا يفوز»، وفي الحياة لا نغير ربانا يصنع النجاح، فكيف لكرة القدم المغربية أن تغير رئيسها الذي اختصر المسافات واختزل الأزمنة وحول الكثير من الجمرات إلى ثمرات بشكل كيميائي مثير الدهشة.. 
مع فوزي لقجع، عرفت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أحد أمهر الربابنة، وأحد أنجح الرؤساء، وأحد أكثر المدبرين براعة في صنع التميز والتفرد والجمال..
وكما أن لا شيء يأتي من عدم، فإن ما تتفرد به كرة القدم المغربية اليوم في محيطها الإفريقي، وما تبرزه من قدرة على محاكاة أعرق المدارس الكروية الأوروبية في تمثل الفكر الإحترافي، لم يأت من لا شيء ولم يأت صدفة، إنه مولد جميل لنيازك أشرقت من ليل دامس، إنه حصاد لعمل مضن استغرق سنوات، إنه ولادة من مخاض عسير.. 
وما كان لهذا الشيء أن يحدث لولا أن من تواجد على قمة الهرم، رئيسا ومفكرا وحالما، شخص شغوف بل ومجنون بكرة القدم، هو فوزي لقجع، فلماذا يا ترى ستبحث الكرة المغربية عن رئيس غيره؟ 
• رجل وقوده الشغف
كان من الممكن أن تنتهي الدورة الزمنية لفوزي لقجع على رأس جامعة الكرة، من أول ولاية أو حتى من بعد ولايتين، أو حتى قبل أن يبدأ، لو أن خارطة الإشتغال لم تظهر له أي ملامح، ولو أن العمل في الأوراش قد تعثر، أو أن القطار لم يتحرك أصلا من محطته، فما الذي يكره عائلة كرة القدم أن تبقي على رأسها رجلا يحتل المنصب ولا يقدم أي مكسب، رئيسا يجلس على قمة الهرم وهو منتج للسأم؟ 
تذكرون أن فوزي لقجع يوم جاء لقيادة جامعة تسوس رياضة جماهيرية يخفق لها قلب الشعب، ليكون خليفة لطيب الذكر علي الفاسي الفهري، كان جامحا وطموحا ومتحمسا، إلى الدرجة التي رفع معها سقف التحديات والرهانات عاليا، قال فينا ما يتمناه، وأبدا لم يكن ينطبق عليه ما قاله الشاعر «ليس كل ما يتمناه المرء يدركه»، وأدركنا وقتها أن تلك الحماسة وقودها الشغف، ففوزي لقجع قبل أن يتبوأ مكانة ويتقلد منصبا رفيعا يضعه في فوهة المدفع، هو عاشق لكرة القدم، هو قارئ جيد للمشهد الكروي، لذلك لم يستنزف الكثير من الوقت في التعرف على الحال وهو من كان يعرف جيدا إلى أين سيكون المآل. 
أياما قبل أن يصبح رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وضعنا السيد فوزي لقجع في صلب الإستراتيجية التي يعتقدها الأنجع لإنعاش المشروع الإحترافي الوطني، ولم يكن في ذلك بعيدا عن كثير من البرامج التي جاء بها أسلافه، لطالما أن ذات القراءات النقدية وذات المسح للواقع الكروي ينتجان نفس التصورات بخصوص الحاجيات، لكن ما سيبدعه فوزي لقجع، ليجعل من ولايته خصبة في شكل التدبير وفي جوهر التغيير، حكامة جد متقدمة في إبداع الحلول، أفرزت سرعة في تقدم منظومة الإشتغال في أكثر الأوراش حيوية. 
• الحياة تعود للمشروع الإحترافي
وإذا ما اعتبرنا أن بيت كرة القدم الوطنية يقوم بالأساس على دعامات البنى التحتية والتمويل والحكامة في التدبير والتكوين بمختلف أبعاده، لطالما أن غاية السفر الجماعي لعائلة كرة القدم هو إعطاء الحياة للمنظومة الكروية الإحترافية، فإن فوزي لقجع قائدا لفريق العمل، سيحرك كل الرواكد في هذه الأوراش كلها وبلا استثناء، صحيح أنه بدعم قوي من الدولة سيحدث أول الأمر نقلة نوعية على مستوى البنى التحتية الرياضية من ملاعب بمختلف أصنافها، بل وسنشهد على عهده خروج مركز محمد السادس لكرة القدم في حلة عالمية مبهرة، إلا أنه بالتوازي مع ذلك كله، سرع وثيرة العمل في الجوانب المتصلة بهيكلة كرة القدم من قمة هرمها (الجامعة والعصب الجهوية) إلى قاعدتها التي هي النوادي، عبر حلقات موصولة من الدورات ومن الأجرأة بمختلف مستوياتها. 
كان يجب أن يتنفس المشروع الإحترافي من كل رئاته ليبقى على قيد الحياة، ما دام أن الإرادة السياسية أشرت على أن الإحتراف هو الخيار الإستراتجي الذي لا محيد عنه لكي تحاكي كرة القدم الوطنية المستوى العالي.
وأمكننا عبر حلقات متواترة أن نشهد انبلاج صبح جديد، أطل بضوء جميل على كرة القدم ليجعلها رافعة للتنمية البشرية ودعامة للإقتصاد الوطني ومنتجة للثروة. صحيح أن المشهد الكروي ما زالت به علل كثيرة موجبة لعمل في العمق، إلا أن ما تم إنجازه على كافة الأوراش، يؤكد بالأرقام والإحصائيات وبالمنجزات، وأكثر منه بالمؤشرات على أن كرة القدم الوطنية على عهد فوزي لقجع قطعت أميالا كثيرة جدا في طريق الألف ميل. 
• الإحتراف كمنظومة والحكامة كمحرك
عبر سلسلة طويلة من الإجراءات التي همت بالأساس الجوانب البنيوية، لتنزيل الإحتراف وقد غدا خيارا سياسيا وفرض عين للتباري في المستويات العالية، نجحت كوة القدم المغربية في ولايتي فوزي لقجع من المراكمة بشكل إيجابي على ما تم إنجازه من قبل، على عهد المكانب المديرية السابقة، إلا أن الجامعة الحالية يحسب لها أن رفعت من الإيقاع وأحيت الأوراش «الميتة» وسرعت الوثيرة، فتعددت المخرجات بعد التناظر الوطني، فشاهدنا كيف أن مؤسسة الإحتراف قد بدأت تشتغل على نحو إيجابي برغم ما شاب ذلك أحيانا من تعطيل وتثاؤب. 
برزت لجان المتابعة والمواكبة والمصاحبة لتيسير دخول الأندية لعالم الإحتراف، بأن انتظم كل الفاعلين في دورات تكوينية عميقة، وبعدها تمت عملية الأجرأة التي لا تبقي مجالا للتسويف، ليكتمل المشهد الإحترافي والأندية تعلن عن إحداثها لشركات رياضية، بعد أن كانت البطولة الوطنية قد لبست الرداء الإحترافي، وبعد أن حمت العقود الإحترافية صناع الفرجة من لاعبين ومؤطرين وحكام.
وأسبغت الجامعة على الأندية رداء المقاولة أو المؤسسة، فتراجع التدبير الهاوي أمام التدبير المقاولاتي الذي يذعن بالكامل لصوت الإحتراف، وبدأ يزول تدريجيا من المشهد الكروي كل ما علق بالتسيير في السنوات الماضية من اهتراء ومن شطط وتكسير لقواعد الروح الرياضية المالية.
وبرغم أن الوقت ما زال مبكرا للحديث عن استعمالات جيدة للحكامة في إدارة الأندية، لوجود بعض الإختلالات، إلا أن ما أنجز لحد الآن يعتبر شيئا جيدا. 
• التكوين الورش الثقيل
ولأن صناعة كرة القدم من المستوى العالي الذي يضمن الريادة إفريقيا، تفرض فرض عين تغيير منظومة التكوين، فإن فوزي لقجع سيلح على ضرورة الإشتغال بمقاربات جديدة في إنتاج منظومة تكوين متطابقة مع عصرها، تكوين الأطر وتكوين اللاعبين، لذلك كانت الإدارة التقنية الوطنية هي المستهدف الأساس بهذه الثورة المعلنة لإبادة النمطية، فتم إضفاء طابع المؤسسة على الإدارة التقنية الوطنية، ووجهت في عملها لإطلاق تكوينات من مختلف المستويات بهدف إنتاج مؤطرين ومربين من مختلف الفئات لتأمين تكوين عالي المستوى داخل الأندية. 
وبرغم أن ما أفرزته منظومة التكوين لغاية الآن، من أطر تقنية من مختلف الدرجات، لا يطابق الحاجيات، إلا أن الجامعة ملزمة بأن توجد صيغة عملية ليجد هؤلاء المؤطرون طريقهم للأندية ولكي ينالوا حظهم من الإمكانات المادية والعملية، حتى نرفع من قيمة المنتج الوطني على مستوى اللاعبين. 
وبذات قدر الإهتمام الموجه لتكوين الأطر وكل المتخصصين في المهن الرياضية، فإن الجامعة حركت بشكل كبير ورش إطلاق الأندية لأكاديميات ومراكز للتكوين، وبرغم أن العمل بهذا الورش الحيوي يسير بوثيرة بطيئة بالنظر لحجم الإكراهات التي تعيشها الأندية، إلا أن فوزي لقجع يجعل من هذا الورش أكبر الأولويات في ولايته الثالثة، فلا أمل لكرة القدم الوطنية في استدامة نجاحاتها قاريا إن على مستوى المنتخبات أو الأندية إلا بتكوين من المستوى العالي، وهذا التكوين منطلقه الأول أكاديميات ومراكز الأندية. 
• إفريقيا تحتفي بالمغرب الجديد
ولم يمنع ثقل الأوراش الداخلية ولا حاجتها للجهد والمال والوقت، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، من أن ينفتح بقوة على عمقه الإفريقي توافقا مع التوجه العام للمغرب الذي بات يدا ممدودة لأشقائه في القارة لجلب الثروات، ومن أن يصدر عن نفسه صورة جديدة للمنتظم الكروي العالمي. 
وأبدع المغرب من خلال الجامعة، كما لم يفعل في أي مرة، في إحداث نمط جديد في علاقة المنفعة والبناء المشترك مع الأشقاء الأفارقة، فأحدث العديد من المنصات والتناظرات الهادفة لتطوير كرة القدم الإفريقية من الداخل، كما أن المغرب كان للكونفدرالية الإفريقية الساعد الأيمن للبناء والتطوير من دون حاجة لرفع شعارات جوفاء أو مزايدات رخيصة. برغم أن ذلك جر عليه الكثير من اللغط والحسد والإفتراء. 
والحقيقة أن فوزي لقجع أبدع كثيرا في تصميم المداخل الجديد للمؤسسات الكروية القارية والدولية، بأن تحدث قبل الكثيرين عن مأسية المناصب، فكان حضوره في تنفيذية الكاف وازنا، ما مكنه جراء تراكماته الجيدة، من أن يصبح أول مغربي يصل إلى مجلس الـ«فيفا».
• الكرة النسوية بقوة الصاروخ
ولا يقف منجز الجامعة على عهد فوزي لقجع، عند هذه المكاسب التي عددناها على وجه السرعة، فهناك بالتأكيد أوراش أخرى شهدت سرعة هائلة في العمل، من أبرزها ورش كرة القدم النسوية الذي حقق طفرات نوعية، بإحداث أول بطولة نسوية إحترافية وبقطف أولى الغلال بتأهل المنتخب النسوي المغربي لأقل من 17سنة لكأس العالم في سابقة تاريخية، وورش كرة القدم داخل القاعة الذي أنتج لنا منتخبا وطنيا يتوج بطلا للقارة في مناسبتين بل ويصل للدور ربع النهائي لكأس العالم. 
ولأن العمل ما زال قائما في كل الأوراش، إما لإنجاز ما بقي منه أو للتحيين، فإن عائلة كرة القدم لا ترى بدا من بقاء فوزي لقجع على رأس الجامعة برغم كثرة مشغولياته، وقد فعلت ذلك بأن تركته مرشحا وحيدا ليمضي ولاية ثالثة، وبأن كانت على استعداد لكي تقول له في حال قرر الإبتعاد «أنت أو لا أحد».

ADVERTISEMENTS