• البدراوي يتحدث بقلب الرجاوي وعلى التغيير ناوي
• خروج الحرس القديم لإعادة بناء الصرح العظيم
• إنتدابات وازنة لاستعادة الهوية المفقودة
• هل يصلح البنزرتي ما أفسده الدهر؟

رجاء «نيو لوك»، هذا أقل ما يمكن أن توصف به طلة النسور الخضر خلال الموسم الكروي القادم، فإن كان الحرص كبيرا على دعم الهوية واستعادة ما ضاع منها، وإن كان الإصرار أكبر على الإحتفاظ للرجاء ببهاء العقود الخوالي وقد تغلغل في الوجدان الجماعي وفي المرجعية الكروية الوطنية أسلوب بل وفلسفة لعبها، إلا أن الرجاء الرياضي سيكون خلال موسم 2022 ـ 2023 بتقليعة جديدة، مكتب مسير جديد، لاعبون جدد، وإطار تقني جديد قديم، وما دعا لهذه التقليعة الجديدة ولهذا التحول الكبير خيبات وانتكاسات جاءت متواثرة، لتجعل من الموسم المنقضي موسما صفريا..
ما الذي تغير في التضاريس والملامح والرؤية ومنظومة الإشتغال؟
هذا التقرير سيقدم مشروع إجابة عن السؤال..

• جفاف خيب الرجاء
برغم تصاريف القدر الحزين، والرجاء الرياضي يقحم منذ سنة 2013، سنة الوصول لنهائي كأس العالم للأندية، في إنجاز تاريخي وغير مسبوق، في دوامة الأزمة المالية الخانقة، إعصار يرميه لإعصار، إلا أنه كان ينجح في تبديد الغيمات، بأن يرسل في المدى ومضة فرح بتحقيق لقب وطني أو قاري، إن لم يكن كأسا للكونفدرالية أو سوبرا إفريقيا أو كأسا عربية، كان لقبا للبطولة أو كأسا للعرش، إلا أن الموسم المنتهي كان كارثيا في الحصاد والمحصول، ذلك أن الرجاء على مدى العشر سنوات الأخيرة، لم يحدث أن أنهى موسمه بصفر كبير.
صحيح أن الرجاء مر بمحاذاة لقب السوبر إفريقي وهو يخسر بالدوحة أمام نسخة متهالكة للأهلي المصري، وصحيح أنه أضاع لقب البطولة الإحترافية في الأمتار الأخيرة، وصحيح أنه نزل من قطار عصبة الأبطال في محطة الربع أمام الأهلي المصري، وصحيح أيضا أنه غادر كأس العرش من دور الربع بخسارته من الغريم الوداد، إلا أن المحصلة الرقمية هي من بين أسوإ المحصلات في تاريخ الرجاء الرياضي الحديث.

• شعب الرجاء قال كلمته
وكان الله في عون مناصري الرجاء، فما زادهم في الموسم الصفري فزعا وألما، أن الغريم الوداد كان يبحر بثبات نحو لقب عصبة الأبطال الأفريقية الثالث، ويقبض على لقب البطولة الإحترافية للمرة 22 في تاريخه وللمرة الثانية تواليا، وينجز موسما خرافيا بكل المقاييس، كان قريبا فيه من تحقيق الثلاثية التاريخية.
ومع اكتمال اليقين بأن الصورة الفريق اهترأت، وبأن القيادة فاقدة للقدرة على ارتياد أفق الإنجازات، ارتفع صوت شعب الرجاء الذي لا يعلو عليه، ليستعجل التغيير وليقول لمن هم في غرفة القيادة، «تفضلوا بالرحيل».
كان الخروج من عصبة الأبطال أمام الأهلي هو الهزة الأقوى التي ستجبر الرئيس أنيس محفوظ على إطلاق فرمان وقرار لا رجعة فيه، يقضي بالدعوة لانتخابات سابقة لأوانها، وفي ذلك إقرار بأن الرجل اكتفى بسنة واحدة من ولايته، ولا نية له إطلاقا في مواصلة المشي على الأشواك ومعاكسة التيار.

• البدراوي.. من أين أتى؟
وكما أن للرجاء شعب يحتمي به وتاريخ يتحصن به، فله أيضا رجال يبرزون في الشدائد، وقد سجلنا في العشرية الأخيرة، أن الرجاء برغم كارثية الوضع المالي وضخامة المديونية، كان يجد بين مناصريه من يتطوع لقيادة السفينة كلما غادرها ربان لسبب من الأسباب، لذلك، ما إن ترجل أنيس محفوظ، حتى طفا على السطح رجل الأعمال عزيز البدراوي، قيل أنه اجتمع فيه ما تفرق في غيره، الجرأة وحب المغامرة واليقين في تحقيق النجاح، وعلى الخصوص إجماع جماهير الرجاء على أنه رجل المرحلة والربان المبحوث عنه لظرفية استثنائية.
من دون مقدمات، أبصر عزيز البدراوي كليشيهات الرجاء، أنجز تشريحا وتصويرا برنين الأرقام والمعطيات، قلب الصور من كل الزوايا، وبعد أن سعى وراء طيف أمل أخير والرجاء يفوز بالديربي ويعيد بعث الأمل في المنافسة على اللقب، أيقن بعد تبخر الحلم، أن لا مفر من تنظيف البيت، إزالة ما علق في حيطانه من عناكب، فتح شرفات تدخل نورا جديدا يزيل العتمة ويكسر الرتابة والنمطية، وهو في ذلك اختار الورش الصعب.
قال لي عزيز البدراوي يوم إلتقيته لأول مرة:
«لا شيء مما أراه اليوم في الفريق يمت بصلة للرجاء، لقد ابتعدنا كثيرا عن الهوية وعن المرجعيات الفنية، بسبب أن لاعبين تم انتدابهم وهم في الأصل لا يتطابقون مع فلسفة الرجاء، لذا قلت ألا مناص من التغيير الجذري».

• غربلة القرن..
بين مطرقة الأزمة المالية وسندان الحجم الكبير للتغيير على كافة الصعد وضع عزيز البدراوي، فقد احتاجت منه الظرفية إلى مخارج وحلول وخارطة طريق، لذلك سيدخل بمعية من اختارهم ليكونوا له مستشارين وناصحين، من تقنيين ورياضيين، في سباق ضد الساعة لتطهير البيت الأخضر، وبناء هيكل بشري وتقني جديد، غير آبه بما يتطلبه ذلك من سيولة مالية، وكلنا يعرف أن مالية الرجاء بها ثقوب كثيرة، وقد أجل البدراوي الحديث عنها تحت الإكراه: «ما وقفت عليه شيء لا يصدق، كان هناك تدبير مالي أحمق ولا تقول الإنفاقات القياسية في مراحل بعينها، أن الفريق في أزمة، وحتما سأعود لهذه الأمور لاحقا».
ولأنها من صميم أعماله التي أدارها بكفاءة عالية، لجأ البدراوي لغسل وجه الفريق لا غسل المحيط أو باب الجيران، فأعلن عن ثورة تغيير غير مسبوقة، أو لعلنا شاهدنا نسخة منها في زمن ماض، لقد أيقن البدراوي بقوة المعطيات والإحصائيات وحتى الإنطباعات التي لا تخطئ، أن كثيرا من اللاعبين الحاليين ميؤوس منهم، بل منهم من نفخ في أرقام العقود ولم يقدم شيئا، فاقترن ذلك بإعلان غربلة القرن.
كانت البداية بتشريع الأبواب أمام الحرس القديم لكي يغادر القلعة الخضراء، فلم يتم التجديد لأنس الزنيتي ولا لمحسن متولي ولا لحميد أحداد، وخرج عمر العرجون طوعا لينضم للفيصلي السعودي، وخرج زكرياء الوردي ولم يعد، وترجل إلياس الحداد بعيدا عن الفريق، واستغنى الرجاء عن لاعبين انتهت إعارتهم «الفضائحية» (مورابيط وبوطويل)، ما كان يعني أن التعرية كانت شبه كاملة.
 
• بركاتك يا شيخ
كان عزيز البدراوي يدرك جيدا أن ورش إعادة البناء في ظرفية حساسة، يقتضي وجود مدرب حرايفي، يكون عارفا بتفاصيل الحياة داخل القلعة الخضراء، ويكون قادرا على تقليص زمن إعادة البناء حتى لا يجني على النتائج، فاهتدى ومن معه إلى التونسي فوزي البنزرتي ليكون هو رجل المرحلة ورجل الورش الصعب والشاق.
وبعد أن حظي بموافقة وتوقيع الشيخ، على أمل ألا يخيب الرجاء، دخل البدراوي ثكنة معزولة وشرع مع مقربيه في تصميم الإنتدابات وقد أحاط ذلك كله بسرية تامة..
صحيح أنه كان هناك من يروج لأسماء بعينها، بخاصة مع تسريبات كانت تحدث من قبل وكلاء اللاعبين المتفاوض معهم، إلا أن عزيز البدراوي وقد حصرت له البروفايلات واقترح عليه اللاعبون المرشحون، انزوى عن الأنظار وجعل من بيته، على غرار ما كان يفعل الغريم سعيد الناصيري، قلعة محصنة لا تصلها عيون الجواسيس، فيها كان يتفاوض ويحسم الإنتدابات.
وقد وجدته يقول لي قبل أربعة أيام، عندما تواعدنا على التحدث هاتفيا أكثر من مرة، وجدته يقول لي: «لا أشك في أنك ستعدرني إن رأيت الحال التي أوجد فيها، أنا أسابق الزمن من أجل إنهاء كل شيء، الفريق سيشرع في تداريبه يوم فاتح غشت، وعلي أن أنهي كل المفاوضات ونوقع العقود لتكون المجموعة بكاملها من هذا التاريخ رهن إشارة المدرب الجديد».
وفي الموعد المحدد، عصر يوم الإثنين فاتح غشت، كان عزيز البدراوي يكشف عن الفيلق الجديد، عن الأجنحة الجديدة التي سيحلق بها النسر في موسمه الجديد، موسم قال عزيز البدراوي أنه سيكون موسم العودة لسكة الألقاب:
«كان لزما أن أفي بكل الوعود التي قطعتها على نفسي ومع جماهير الرجاء، أن أصمم الإنتدابات التي ستكسب الرجاء مناعة جديدة، فعلت ذلك وسط إعصار رهيب ومتحديا الكثير من التقاليد السيئة، فاللاعبون أصبحوا أسرى جشع الوسطاء».

• إنتدبات بالجملة والمعيار واضح
مع ربان تقني مخضرم، جرى انتدابه باعتماد الكثير من المعايير الفنية والرياضية، قدم الرجاء انتداباته التي أنجزها كما وكيفا في زمن قياسي، انتدابات مست جميع المواقع، وتطابق أصحابها مع الجينات الفنية للرجاء، ويبقى الأمل معقودا، أن يندمج كل اللاعبين المنتدبين مع الخصوصية الرجاوية ليكونوا في مستوى التطلعات والإنتظارات، فهامش الصبر على الفريق بمنأى عن الألقاب، ضيق إن لم يكن منعدما.