عند تقديمي لقمة الدور نصف النهائي التي وضعت منتخبنا الوطني الساعي لانتزاع الرتبة الأولمبية، في مواجهة منتخب مالي، كنت ملحا عل عدم الإنسياق وراء الصورة التي صدرها أشبال الأطلس عن أنفسهم من خلال دور المجموعات، صورة الفريق الحامل للعلامة الكاملة، وصورة الفريق الذي لا يقهر وصورة الفريق الذي تنطق الأرقام بجبروته، وكنت مصرا على عدم توهيم النفس بأن الإصطدام بنسور مالي الجارحة سيكون شكليا، لأننا نتفوق عليه في البناء الجماعي، طبعا لم أقصد من ذلك تخويف الأشبال الذين مثلت لهم المباراة أهمية كبيرة، ما دام أنها توصل أولا للنهائي، وما دام أنها تضمن التواجد في الألعاب الأولمبية، ولكن القصد هو تحديد مستويات الصعوبة في نزالات من هذا النوع، بخاصة وأن منتخب مالي هو أقوى منتخب في هذه البطولة، ولا قياس على خسارته أمام مصر في دور المجموعات، وقد اضطر للعب لأكثر من 45 دقيقة منقوصا من لاعب واحد.
بعد جولة أولى، طابق فيها فريقنا الوطني نفسه، جماعيا وفرديا، أداء وتدبيرا تكتيكيا، ونجح في أن يكون سباقا للتهديف بواسطة ظهيره الأيمن "المزور" زكرياء الواحيدي من جملة مصاغة بشكل رائع مع إسماعيل صيباري، ستنقلب الأمور بدء من الجولة الثانية رأسا على عقب، لتظهر الكثير من العيوب التكتيكية، بخاصة عندما يلعب أشبالنا تحت الضغط.
قطعا لم يصدر عن المدرب عصام الشرعي أمر بالعودة للمنطقة وانتظار أي هفوة مالية للإجهاز عليه بالمرتد السريع، كان ذلك اختيارا تكتيكيا، لكن الشرعي لم يتبنه ولم يأمر به لاعبيه، لأنه غير جاهز له، فما حدث، كان تراجعا لاإراديا للعناصر الوطنية تحت الضغط الرهيب الذي فرضه اللاعبون الماليون، والذي كان مبتدأ سيطرتهم الكاملة على المباراة، الإستيلاء على وسط الميدان واعتماد السرعة في التحول للهجوم من دون التفريط في التوازنات الدفاعية.
نتيجة لذلك سينجح منتخب مالي في معاقبة الأشبال على النكوص الدفاعي وحتى الضمور الهجومي، ليعود في النتيجة أولا خلال الشوط الثاني، وليعود فيها ثانيا بعد أن استعدنا التقدم في الشوط الإضافي بهدف أمين الوزاني من رأسية جميلة، فما كان علينا إزاء هذا السيناريو المجنون، وقد نجحت نسور مالي في حجب الرؤية على الأشبال، إلا أن نسلم الأمر لضربات الترجيح التي حضرت فيها البركة أو النية بمفهوم وليد الركراكي "ديرو النية، غاديا تضرب البوطو وتخرج"، وهو ما كان لأن القائم سيرد ضربتين لمالي، لتشرع ضربات الترجيح الأبواب والنوافذ لمنتخبنا الوطني، ليبلغ المباراة النهائية أولا ولكي يحصل ثانيا على تأشيرة العبور للألعاب الأولمبية باريس 2024.
وحتما ستكون لمباراة مالي، دروس تكتيكية كثيرة، منها يجب أن يستفيد عصام الشرعي، قبل أن نلاقي في النهائي الكبير منتخبا مصريا يجيد نصب الأهرامات الحاجبة للرؤية أمام مرماه، ويجيد خطف الأهداف الغادرة على طريقة الفراعنة.