كان لقاء المغرب ومصر نهائيا صرفا وخالصا، ولد طبيعيا من رحم بطولة قارية، استعرضت خلالها القارة الإفريقية منتجها وتباشير مستقبلها، صحيح أنه ضج بالكثير من التفاصيل والجزئيات، ولكنه كان نهائيا مثيرا وقويا ومتلاعبا بالأعصاب، فقد دخل منتخب مصر حامل اللقب، ذاك النهائي لإثبات جدارة وقوة منظومته الدفاعية، وهو الذي ظلت شباك حارسه حمزة علاء مستعصية على المنافسين في الأربع مباريات السابقة، فيما قدم الفريق الوطني نفسه كأقوى آلة هجومية لا توقفها أي ترسانة دفاعية، وبين المنتخبين كان هناك جبل من الضغط النفسي الرهيب الذي يستدعى أعلى درجات التركيز.
وسيكون أول عواصف هذا النهائي، هدف منتخب مصر بالتخصص، من بناء هجومي خاطف، ومن استغلال جيد لهفوة دفاعية مغربية يتمكن محمود صابر من افتتاح حصة التسجيل للفراعنة في الدقيقة 10، وكانت الجزئية الأهم، هي طرد ذات اللاعب ثمان دقائق بعد هدفه، بعد أن كشفته عين الفار وهو يتدخل على الزلزولي بعنف يستدعي الطرد.
نقص عددي لمنتخب مصر، كان بمثابة متغير تكتيكي بل واستراتيجي قوي جدا، لم يستثمره الأسود الأولمبيون على نحو جيد، لحالة الرهبة التي استبدت بهم وأيضا للسعار الذي تملك الفراعنة في التغطية على نقصهم العددي، ما عطل كثيرا وصول المغاربة لمرمى علاء، الذي سيستقبل من قدم بكراوي الهدف الأول في هذه الدورة.
لم يستطع المنتخب المغربي إلا نادرا أن يقدم جماعيا أفضل ما لديه، بسبب أن الخنوس وبخاصة صيباري لم يتمكنا من السيطرة على العواطف، فضاع البريق أمام حريق اللحظات، وبسبب أن المدرب عصام الشرعي لم يحسن تكتيكيا استغلال الزيادة العددية لترجمتها إلى ضغط قوي على المنتخب المصري، ما احتجنا معه العبور للشوطين الإضافيين، ليحررنا البديل أسامة تيرغالين من هواجس كثيرة انتابتنا والمباراة تتآكل دقائقها، بتوقيعه لهدف الفوز والتتويج، هدف أدخل هذا الجيل التاريخ، أولا عندما حقق التأهل للأولمبياد، وثانيا وهذا هو الأهم أنه نجح في دخول خانة الأبطال قاريا، وهو يتوج بلقب النسخة الرابعة ل"كان الأمل".
كانت إذا مباراة نهائية بالطقوس والتوابل المعتادة، ليس صحيحا أن المنتخب المغربي لعب خلالها بسبق استراتيجي وهو يلعب على أرضه وبين الآلاف من مناصريه، فقد كان واقعا جراء ذلك تحت ضغط رهيب تعذب لاعبوه كثيرا للتخلص منه، وكما كان متوقعا حسمت ذاك النهائي الجزئيات الصغيرة التي لطالما تحدثنا عنها والتي تحضر بقوة في المباريات النهائية، وعلى الخصوص في الديربيات التي تتشابه فيها المنظومات والخامات وحتى العقليات، وصدق من قال أن المباريات النهائية تكسب ولا تلعب، برغم أن لا فوز يتحقق إذا لم يقترن بمنظومة أداء متوازنة وناجعة ومتحصنة ضد كل أشكال التمييع.
هنيئا لمنتخبنا الوطني لأقل من 23 سنة لقبه الإفريقي الأول الذي تحقق بعد إنجاز الوصول للأولمبياد، هنيئا لكرة القدم الوطنية التي تعيش إلى الآن على إيقاع الأعياد..
اليوم فرحة واحتفال وغدا عودة للعمل والإمتثال.