في كرة القدم، هناك لاعبون يُذكرون لمهاراتهم، وآخرون يُخلدون لمساراتهم. أما أشرف حكيمي، فحكايته تتجاوز الموهبة، لتُروى كقصة كفاح، رسمت مجدها من ملاعب مدريد، إلى مدرجات "حديقة الأمراء". ومن لقب بطل أوروبا رفقة باريس سان جيرمان، إلى تهيئة النفس ليكون بطلا للعالم.

ولد أشرف في مدريد لأبوين مغربيين مهاجرين، وعاش طفولة بسيطة، بعيدة عن ومضات الإعلام وملاعب النخبة. كان الحلم يتكون بصمت في ملاعب الحي. وعندما التحق بأكاديمية "لافابريكا"، لم يكن مجرد لاعب واعد، بل كان مشروع نجم يعمل بإصرار. هناك، تعلم المعنى الحقيقي للانضباط، وفهم تفاصيل كرة القدم الأوروبية. لكنه لم يجدفرصة كافية للتعبير عن موهبته في الفريق الأول، فرحل..

وكان القرار بداية صعود لا يتوقف.

 في صيف 2021، حط رحاله في باريس سان جيرمان. حيث لم يأتِ كصفقة إعلامية، بل كلاعب يؤمن بعمله. ليجد مع توالي المدربين حريته مع المدرب لويس إنريكي، حيث تفجرت طاقاته. ففي عصبة أبطال أوروبا هذا الموسم، بصم حكيمي على موسم استثنائي، سجل 4 أهداف، وقدم 5 تمريرات حاسمة، ليساهم في 9 أهداف في مجمل المسابقة متفوقا على مهاجمين كبار، من بينهم زميله السابق كيليان مبابي. ليصبح بذلك الظهير المغربي، أحد أهم أسلحة باريس الهجومية، ليس فقط بسرعته، ولكن بذكائه التكتيكي وقدرته على خلق المساحات وتغيير نسق اللعب. وعندما رفع الكأس ذات الأذنين في نهاية شهر ماي، لم يكن مجرد لاعب فاز باللقب، بل أحد من صنعوه. 

لم يكتف صاحب 26 ربيعا بالتتويج الأوروبي، فقد قاد ال "بي إس جي" إلى نهائي كأس العالم للأندية 2025 بعد عرض مبهر في نصف النهائي ضد "الميرينغي"، فريقه الأم. حيث لم يكن اللقاء عاديا وهو اللاعب الذي صنعته مدريد، والآن يسهم في إقصائها برباعية تاريخية. لكنه بعد المباراة أكد (أي حكيمي) أن الملكي هو من تخلى عنه وليس العكس. لعب حكيمي بأداء ناضج، وقاد جبهته اليمنى بثقة وهدوء، مؤكدا أنه لم يعد ذلك الشاب الذي يبحث عن فرصة، بل نجما يفرض حضوره حتى في أصعب المواعيد. تألق ليس جديدا على الدولي المغربي الذي سبق وأن سجل هدفين في المسابقة (أي كأس العالم للأندية) إضافة لحصوله على تنقيط من منصات ك"سوفا سكور" لم ينزل عن 8 في جل المباريات التي خاضها بالمسابقة العالمية، كما أنه صاحب أكبر عدد من المساهمات التهديفية التي وصلت إلى 27 مساهمة تهديفية هذا الموسم.

بعيدا عن الملعب، يبقى حكيمي مثالًا للثبات والهدوء. يتحدث بفخر عن جذوره المغربية، ولا يتردد في كل مرة عن التعبير عن اعتزازه بتمثيل "أسود الأطلس". ما يجعله أحد أهم العناصر التي تعول عليها الجماهير المغربية للتتويج بكأس إفريقيا نهاية هذه السنة بالبلاد. الأمر الذي يظهر أن اللاعب المغربي لازال ينتظره الكثير.  

أشرف حكيمي اليوم ليس مجرد لاعب كرة قدم، بل هو ظاهرة رياضية وإنسانية. لاعب أعاد تعريف دور الظهير الأيمن، وجعل منه مركزا هجوميا وتهديفيا، دون أن يغفل دوره الدفاعي. وبلغة الأرقام، يمكن رؤيته أيضا منافسا شرسا على الكرة الذهبية، كأحد القلائل الذين كسروا القاعدة المتعلقة بارتباط التألق الكروي بالمراكز الهجومية. خاصة إذا توج مع الفريق الباريسي بالكأس العالمية في مباراة الاحد أمام "البلوز". 

ومن لقب أوروبي مستحق إلى موعد حاسم في نهائي كأس العالم للأندية أمام تشيلسي، يواصل أشرف حكيمي موسمه الاستثنائي بثبات. مواجهة تحمل رهانات كبيرة، ليس فقط للفريق الباريسي الساعي لأول تتويج عالمي في تاريخه، بل أيضا لحكيمي الذي يقف أمام فرصة جديدة لإثبات مكانته بين نخبة لاعبي العالم.