انتهى ديربي الدار البيضاء رقم 139 بين الوداد والرجاء بنتيجة التعادل السلبي (0-0)، في مباراة احتضنها مركب محمد الخامس وسط حضور جماهيري كبير، تجاوز خمسين ألف متفرج، ليكون المشهد الجماهيري هذه المرة هو البطل الحقيقي في أمسية كروية غلبت فيها الفرجة البصرية على الأداء الفني داخل المستطيل الأخضر. فعلى الرغم من التوقعات الكبيرة بمواجهة نارية بين غريمي العاصمة الاقتصادية، بالنظر إلى انطلاقتهما القوية هذا الموسم، جاءت المباراة متوسطة المستوى وافتقرت إلى الإيقاع الهجومي والحماس المعهود في مثل هذه المناسبات، حيث ساد الحذر والرقابة الدفاعية الصارمة من الطرفين، في وقت طغت فيه التوقفات المتكررة بسبب الاستخدام المكثف للشماريخ والشهب النارية، التي تسببت في انعدام الرؤية وإيقاف اللعب لأكثر من عشرين دقيقة.

ورفع الرجاء رصيده إلى 12 نقطة في المركز الثاني بعد ست مباريات من دون خسارة، فيما وصل الوداد إلى 11 نقطة في المركز الرابع من خمس مباريات، ليواصل هو الآخر سلسلة نتائجه الإيجابية دون هزيمة، غير أن التعادل لم يخدم مصلحة أي منهما، خصوصا بعد فوز الجيش الملكي الذي اقترب أكثر من الصدارة.

المباراة جرت في أجواء احتفالية استثنائية أكدت مرة أخرى مكانة الديربي البيضاوي كأحد أقوى وأجمل الديربيات في العالم، حيث تحولت المدرجات إلى لوحات فنية مذهلة رسمتها "ألتراس" الفريقين عبر "تيفوهات" وإبداعات بصرية لافتة. غير أن هذا المشهد الرائع اكتسب جانبا سلبيا حين غطى الدخان سماء الملعب، ما اضطر الحكم إلى توقيف اللعب أكثر من مرة، في مشاهد كرست الجدل بين جمال الفرجة الجماهيرية وضررها الفني.

من الناحية التكتيكية، خاض الرجاء المباراة لأول مرة منذ سنوات دون أي لاعب أجنبي، بينما اعتمد الوداد على أربعة لاعبين أجانب في تشكيلته الأساسية، بينهم البرازيلي فيريرا والبوركينابي عزيز كي. وقد اضطر الرجاء إلى تعديل خططه في اللحظة الأخيرة بسبب إصابة عميده بدر بانون قبل صافرة البداية، ما انعكس على توازنه الدفاعي. ومع ذلك، بدا الفريق الأخضر أكثر تنظيما واستحواذا على الكرة في الشوط الأول، لكن دون فعالية هجومية حقيقية، بينما اكتفى الوداد بالاعتماد على المرتدات السريعة بقيادة المخضرم نور الدين أمرابط الذي استخدم خبرته في توجيه الهجمات، في ظل انضباط دفاعي واضح من الفريق الأحمر.

وفي الشوط الثاني تحسن أداء الوداد، فخلق بعض المحاولات الخطيرة عبر محمد مفيد وعزيز كي، غير أن الحارس الحرار تصدى ببراعة لكل الكرات الموجهة نحو مرماه، في حين اكتفى الرجاء بمحاولات خجولة أبرزها ضربة حرة لمعاذ الضحاك. ومع اقتراب المباراة من نهايتها، عاد المشهد الجماهيري ليفرض نفسه بعد أن امتلأ الملعب مجددا بالدخان نتيجة إشعال الشماريخ، فتوقفت المباراة مرة أخرى.

ورغم احتساب الحكم لاثنتي عشرة دقيقة كوقت بدل ضائع، ظل التعادل قائما حتى صافرة النهاية، ليضاف هذا اللقاء إلى سلسلة طويلة من مواجهات الغريمين التي انتهت بلا غالب ولا مغلوب. وقد حافظ الرجاء على تفوقه النسبي في المواجهات الأخيرة، حيث لم يخسر أمام الوداد في آخر ست مباريات، فيما واصل الفريقان مسيرتهما دون هزيمة منذ بداية الموسم.

ورغم أن النتيجة لم ترض أنصار أي من الفريقين، إلا أن ديربي البيضاء 139 سيبقى راسخا في الذاكرة كأحد أكثر الديربيات المغربية فرجة من حيث الأجواء والاحتفال الجماهيري والإبداع البصري، تجسيدا لعمق الشغف الكروي في الدار البيضاء وسحرها الذي يجعل من كل ديربي حدثا استثنائيا يتجاوز الرياضة إلى طقوس مدينة تعيش كرة القدم بكل جوارحها.