حكاية من ألف ليلة وليلة، بل ليلة أجمل من ألف ليلة، تلك التي حكاها الأسود على مسمع من العالم، ونسجها من مخيلته نهائي كأس العرب، ليتردد صداها على رمال الصحراء وبين ناطحات السحاب وعلى قمم الأبراج العاليات هنا بقطر، فتسافر على أجنحة الصقور لتخلد في ذاكرة كرة القدم العالمية قبل العربية.
حكاية أخلصت في شكلها ومحتواها لجمالية الحكي العربي، عندما تمتح الكلمات من التضاد الجميل للسيناريوهات، وعندما تصعد الدراما لذروة الإشتعال، فلا تبقي لنا صبرا على ما نراه.
كان جديرا بشهرزاد أن تبقي هذه الحكاية لآخر الليل، للحظة التي تسكن فيها كل الأشياء، بهذا الكون، فلا يسمع إلا صدى كلماتها وهي تفجر ينابيع الدهشة، فما سيأتي بعد السرد العجيب عن النهائي الجميل، صبح فيه يصحو الناس من غفوتهم.
مثاليا ونموذجيا، بل وقرمزيا، جاء نهائي النسخة الحادية عشرة لكأس العرب، وكيف لا يكون كذلك، وطرفاه أفضل منتخبات كأس العرب، شاعرية وعذوبة وجاذبية، فهل منكم من يعترض على أن أسود الأطلس ونشامى الأردن، هما أفضل ما يشكل جناحي طائر الفينيق المنبعث من ناره ودخانه؟
أسطورة ذاك النهائي كان، أم قصة مروية بلهيب الكلمات وحرقة المشاعر؟
لا أخفيكم، أنني توجست من هذا النهائي، وهو يجمع بين منتخبين يتصلان في الجدارة، يقترنان في فعل الإبداع، ويجتمعان في محاسن الأداء الكروي، فمتى كان تقارب خرائط التميز الفردي والجماعي بين فريقين، متى برزت المقاصل التكتيكية التي تحجب غيومها شمس المتعة، ومتى كان الحكم أولا وأخيرا لسلطان الجزئيات الصغيرة.
لكن ما شاهدته ومعي الملايين من العرب ومن المشدودين لمشهد الفخامة، نهائي يتمرد على سكون الفواصل، يرفع مقام النهائي، ينصب المواقد التي عليها يحمى الصراع ويكسر كل ما يحجب عنا جمال المشهد.
كان نهائيا يُروى لجماله، ويُحفظ لسحره ويُقدم كدليل على أنك لكي تصنع نهائيا ساحرا عليك أن تحصل على فريقين ممتعين، وفي ذاك النهائي، علا زئير الأسود في المدى، وتصاعد في السماء شدو النشامى، فكان مبنى الحكاية، أن شهرزاد لروعة، بل ولدراماتيكية المحتوى، أبدعت في تنميق الكلمات التي صورت النهائي حقيقة أجمل من الحلم، وتلك كانت هي الحقيقة.
هنيئا للفريق الوطني الذي كان أجمل بطل للرواية، وأجمل بطل للعرب.
إضافة تعليق جديد