دشن اعتزال العداء الجامايكي اوسين بولت مرحلة غير واضحة المعالم في ألعاب القوى، تفتقد فيها "أم الألعاب" لأبطال من طينته يمكنهم جذب جمهور كبير، في الوقت الذي تحاول الرياضة طي صفحة فضائح المنشطات والفساد التي شوهت صورتها.

لم يحظ العداء الأسطوري بالوداع الذي أراده. في بطولة العالم الأخيرة له، والتي استضافتها لندن في صيف 2017، صعق أسرع رجل في التاريخ بإصابة في فخذه الايسر.

بصورة المتألم الذي يعاني على المضمار، ودع بولت حامل الرقمين القياسيين العالمين في سباقي السرعة (9,58 ثوان في 100 م و19,19 في 200 م) في سباقه الأخير، وهو التتابع 4 مرات 100 م.

أحد أفضل الرياضيين في تاريخ الألعاب الأولمبية (ثماني ميداليات ذهبية)، ترك المضمار وحيدا، وخلفه العديد من الاسئلة حول مستقبل رياضة بأكملها لن تفتقد فقط لبطل استثنائي من طينة نادرة، بل أيضا شخصية مرحة تهافت المشجعون لالتقاط الصور معها، وتعامل مع الناس كسر عبره الصورة النمطية لأبطال ألعاب القوى.

الأرقام القياسية، الميداليات الذهبية، الألقاب العالمية... في كل هذه المجالات، قد تعرف ألعاب القوى خليفة لبولت يوما ما، الا ان شخصيته على المضمار وخارجه، ستكون الفراغ الأكبر الذي يتركه.

وقال رئيس الجامعة الدولية لالعاب القوى البريطاني سيباستيان كو عنه "ما ستفتقدونه هو شخصيته. انه اكثر لطفا من شخص له وجهة نظر ويأتي ليملأ الملعب"، مضيفا "لدينا رياضيون كبار يلتفتون يمنة ويسرة ويزدادون توترا قبل ان يتجرأوا على الاجابة عن سؤال. بولت كان لديه رأي وأمور يقولها، وهذا هو ما سنفتقده كثيرا".

ويقول الخبير في مجال الاقتصاد الرياضي فنسان شوديل لوكالة فرانس برس، ان الخشية الفعلية هي في عدم بروز رياضيين "قادرين على ملء المكان" مثل بولت، الرجل الذي يتابعه 4,75 ملايين شخص على تويتر و7,1 ملايين على انستاغرام.

يضيف "لم نجد (حتى الآن) أناس استثمروا بشكل واف في وسائل التواصل الحالية. الخطر هو في حصول فراغ" على هذا المستوى.

يعد هذا الرهان أساسيا بالنسبة الى رياضة يتعين عليها قبل كل شيء تلميع صورتها بشكل جدي بعدما شوهتها في الأعوام الماضية الفساد والمنشطات، والتي أدت الى ايقاف روسيا منذ نونبر 2015، واتهام الرئيس السابق للجامعة الدولية السنغالي لامين دياك، وإصدار مذكرة توقيف دولية بحق نجله بابا ماساتا دياك المسؤول السابق عن عقود التسويق في الجامعة الدولية.

وعلى هذا الاساس، أعاد فوز العداء الاميركي المخضرم جاستن غانلين (35 عاما) بسباق 100 م بطولة العالم في لندن، والذي سبق له ان أوقف مرتين بسبب المنشطات قبل ان يحرم بولت من اللقب العالمي الثاني عشر، ألعاب القوى الى زمن مظلم.

وأقر كو بذلك بقوله ان ما حصل "ليس السيناريو المثالي"، مدركا الالم الكبير الذي احدثه (فوز الاميركي) وقوبل بصيحات الاستهجان في مدرجات الملعب الاولمبي في لندن.


أمسك كو المتوج خلال مسيرته بذهبيتين أولمبيتين في سباق 1500 م، والذي انتخب رئيسا للاتحاد الدولي في 2015، بجوهر المشكلة، وأطلق سلسلة إصلاحات تهدف الى إعادة الصدقية لام الالعاب والجامعة الدولية، وكذلك الى جذب انتباه اكبر قدر ممكن الى هذه الرياضة.

وتم تشكيل وحدة مستقلة مكلفة الاشراف على مسائل المنشطات والنزاهة، تتولى مسؤولية إجراء الفحوص والتحقيقات واصدار النتائج لجميع الرياضيين والفريق العامل معهم.

وتم ايضا وضع مجموعة عمل مستقلة وظيفتها تقييم مدى تقدم روسيا في موضوع مكافحة المنشطات بعدما تم ايقافها.

على الصعيد الرياضي، لا تنقص كو الافكار، وهو لم يأل جهدا لرفع جاذبية ألعاب القوى، بدءا من أشكال جديدة للسباقات مرورا بإعادة صياغة الروزنامة السنوية للمسابقات و"جيل جديد" من الدوري الماسي، وانتهاء بتصنيف عالمي على غرار المتبع في كرة المضرب.

من خلال هذه الخطوات وغيرها، يريد البريطاني الشروع في تحول بالعمق في ألعاب القوى، وفتح صفحة جديدة بانتظار بروز "أوساين بولت جديد".

وشهد العام 2017 في ألعاب القوى، بروز القطري معتز برشم في منافسات الوثب العالي. وأحرز القطري البالغ من العمر 26 عاما، المسابقة ضمن بطولة العالم التي أقيمت في لندن خلال الصيف.

ويحمل الرياضي القطري قاني أفضل رقم في تاريخ المسابقة (2,43 م)، وهو اختير في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أفضل رياضي للعام خلال الحفل السنوي للاتحاد الدولي لألعاب القوى.

وتفوق برشم على العداء الجنوب افريقي وايد فان نيكيرك بطل العالم وحامل الرقم القياسي العالمي في سباق 400 م (43,03 ثانية)، والعداء البريطاني مو فرح صاحب ذهبية سباق 10 آلاف م وفضية 5 آلاف م في بطولة العالم 2017.