شكلت البطولات المغاربية واحدة من البؤر الكروية الهامة في إفريقيا باعتبارها واجهة حقيقية للقارة السمراء، إذ أنجبت البطولات المغربية والتونسية والجزائرية العديد من الأسماء التي صالت وجالت في أوروبا، نظير المستوى الفني الذي غالبا ما يميز اللاعب المغاربي على مستوى المهارات والتقنيات وشغف المستديرة المجنونة، لذلك سنحاول تسليط الضوء في هذا التقرير على بطولات المغرب العربي من جميع المستويات، مع استثناء البطولتين الليبية نظرا لتوقفها عن الممارسة بسبب الوضعية التي يشهدها هذا البلد، وكذا الموريتانية بحكم أنها بطولة ما زالت تبحث عن ذاتها للخروج إلى الواجهة.
الإفريقي يفعلها بتونس
لم تكن مهمة الإفريقي سهلة هذا الموسم في البطولة التونسية في صراعه للفوز باللقب، فعانى الشيء الكثير قبل أن يصعد لمنصة التتويج، وبإلقاء نظرة على الترتيب سيتأكد أن الصراع كان ضاريا بين مجموعة من الأندية التي تنافست على اللقب، على أن الملاحظة الهامة إنما تمثلت في رصيد النقاط المرتفع الذي حسم به الإفريقي اللقب والبالغ 65 نقطة.
وبالإضافة إلى الإفريقي المتوج باللقب فإن فريقين آخرين دخلا سباق المنافسة وهما النجم الساحلي الذي وقف ندا قويا للإفريقي ونافس بشراسة على الدرع بدليل أنه أنهى الترتيب في المركز الثاني بفارق نقطتين، أما الفريق الثالث فهو الترجي الذي أنهى الترتيب في المركز الثالث برصيد 60 نقطة، ورغم أنه لم يكن في الموعد إلا أنه حاول جاهدا المنافسة على اللقب قبل أن ينهي الترتيب في الرتبة الثالثة.
سطيف مجددا
عاد وفاق سطيف ليبسط سيطرته مجددا على البطولة الجزائرية بعد أن فاز بلقب البطولة للمرة الثانية على التوالي، في إشارة إلى هيمنته على الكرة بالجزائر، علما أنه هو الفائز بآخر نسخة لكأس أبطال إفريقيا، وما يلاحظ على حصيلة الفريق السطيفي هو رصيد النقاط القليل الذي تحصل عليه وانحصر في 48 نقطة، وهو عدد جد ضعيف لفريق متوج باللقب، ويظهر هذا الرقم الفرق الشاسع بينه وبين الإفريقي بطل تونس الذي توج برصيد 65 نقطة.
وكان مولودية بجاية الفريق الوحيد الذي لعب دور المطارد المباشر ونافس بقوة، بدليل أنه أنهى الترتيب بفارق نقطة واحدة عن البطل وفاق سطيف جسدت الصراع الذي كان قائما بين الفريقين، ويبدو أن الفارق في المستوى لم يكن كبيرا بدليل التقارب الذي كان بين أغلب الأندية، ولنا في فارق النقاط بين المتصدر وفاق سطيف واتحاد بلعباس متذيل الترتيب خير دليل على هذا التقارب، إذ لم يتعد 15 نقطة.
الوداد يستعيد نغمة الألقاب
تميزت نسخة هذا الموسم من البطولة المغربية بغياب السواعد الكبرى عن المنافسة على الدرع، ذلك أن الأندية المرشحة للفوز باللقب غابت عن الواجهة وخدعت المتتبعين الذين انتظروا بأن الحوار بين أقطاب الكرة المغربية سيكون ضاريا، إذ سرعان ما ذهب هذه الانتظارات أدراج الرياح وخرجت الأندية الوازنة مع توالي الجولات من سباق المنافسة على اللقب.
أندية من طينة الرجاء والجيش والمغرب التطواني وغيرها من الفرق التي كانت مرشحة للعب أدوار طلائعية خذلت المتتبعين وأنزلت يدها لتترك الفرصة أمام الوداد ليتوج باللقب برصيد 59 نقطة، وهو رصيد مقبول، على أن المنافس المباشر كان هو أولمبيك خريبكة الذي استسلم في الدورة ما قبل الأخيرة وأنهى الترتيب في المركز الثاني بفارق ثلاث نقاط.
اللاعب المغاربي في الميزان
اللاعب المغرب العربي مشهود له بأنه لاعب مهاري ويعتمد على التقنيات والمهارات الفنية، لذلك تعرف البطولات المغربية والتونسية والجزائرية مستوى متقارب من حيث المنافسة وأجوائها وكذا الإمكانيات، ورغم أن الكرة التونسية كانت سباقة لدخول عهد الإحتراف إلا أن الأوضاع الأخيرة لهذا البلد أثرت نوعا ما على المنافسة.
وتعطي أندية شمال إفريقيا الأولوية في تكوينها للجانب التقني ولو أن لاعب هذه المنطقة هو لاعب مهاري بالفطرة ولا يميل كثيرا للإندفاع البدني بل يعشق اللعب الإستعراضي، على أن المنافسة على اللقب غالبا ما تكون محدودة بين أندية تعتبر قاطرة هذه البطولات.
في تونس الترجي والصفاقسي ونجم الساحل والإفريقي، وفي الجزائر نجد اتحاد العاصمة ومولوديةوهران وشبيبة القبائل ووفاق سطيف وغيرها، وفي المغرب الرجاء والوداد والجيش والمغرب التطواني وغيرها، وحتى إن كانت هذه الأندية تتوارى في بعض المواسم لكن سرعان ما تعود للواجهة.
صرامة تكتيكية وحصيلة متنوعة
لم تسلم بطولات شمال إفريقيا مما باتت تعتمد عليه الكرة العصرية من طقوس وصرامة تكتيكية، والأكيد أن هذا العامل مرتبط أولا بالتطور الذي عرفته الكرة في السنوات الأخيرة، وثانيا لاجتياح المدربين الأجانب الذين أدخلوا على البطولات المغاربية الثلاث أساليبا وخططا صارمة، لذلك نشعر بذلك الإختلاف في المستويات التقنية، إذ كان أسلوب اللعب في البطولات المذكورة يعتمد بالأمس القريب على الإنفتاح الهجومي والغزارة في الأهداف، غير أنه تراجع نوعا ما وهو ما أثر أيضا على حصيلة الأهداف.
وبإجراء مقارنة بين البطولات الثلاث سيتضح أن البطولة التونسية تصدرت المركز الأول بعد أن سجلت 498 هدفا، ونال الترجي الذي احتل المركز الثالث حصة الأسد بتسجيله 52 هدفا متبوعا بالفريق البطل النادي الإفريقي الذي سجل خمسين هدفا، بينما سجل صاحب المركز الثالث نجم الساحل 47 هدفا، فيما كان أضعف هجوم للملعب القابسي والإتحاد المنستيري بـ 21 هدفا.
أما البطولة المغربية فجاءت في المركز الثاني بـ 491 هدفا، ونال المتصدر الوداد حصة الأسد بتسجيله 48 هدفا أمام حسنية أكادير الذي سجل هجومه 42 هدفا والرجاء 37 هدفا، بينما كان أولمبيك أسفي أضعف خط هجوم بـ 20 هدفا.
وتأتي البطولة الجزائرية في المركز الثالث بـ 475 هدفا، وتصدر الترتيب على مستوى التهديفي مولودية العلمة الذي احتل المركز 14 ونزل للدرجة الثانية بأربعين هدفا، ثم الفريق البطل وفاق سطيف بـ 37 هدفا وبعده مولودية بجاية الوصيف بـ 36 هدفا.
جنون الجماهير
لا أحد يجادل أن الجماهير المغربية والتونسية والجزائرية شغوفة بالمستديرة المجنونة، خاصة أن لعبة كرة القدم تحتل مكانة هامة في البلدان الثلاثة ولها شعبية كبيرة، فكان من الطبيعي أن تحظى المباريات بمتابعة جماهيرية قياسية، ولم يكن هذا الاهتمام بالغريب اعتبارا إلى أن كرة القدم لها ارتباط قوي منذ سنوات بالمغرب وتونس والجزائر، حتى أن لاعبي بلدان شمال إفريقيا كانوا السباقين للتألق على المستوى الأوروبي، ولنا في الكثير من النجوم الذين نجحوا في خطف الأضواء في القارة العجوز من مغاربة وجزائريين وتونسيين خير دليل على هذاالشغف اللا محدود.
وتستمد الكثير من الأندية قوتها من جماهيرها العريضة، خاصة الأندية التي تعد من أقطاب البطولات الثلاث، على غرار الرجاء والوداد في المغرب، والترجي والنجم والصفاقسي في تونس، وشبيبة القبائل ووفاق سطيف واتحاد العاصمة في الجزائر.
ويجب التأكيد أن الحضور الجماهيري تراجع في السنوات الأخيرة بتونس والجزائر نتيجة أسباب داخلية، بينما إرتفع في المغرب،حيث باتت جماهير الرجاء والوداد يضرب بها المثل على المستوى العالمي من حيث الأعداد الكبيرة التي تتابع المباريات والإحتفالية الرائعة التي تشهدها المدرجات.
عبداللطيف أبجاو