الخليج أغرى الثوابت وإشترى عقودهم بالجملة

ركود في السوق الأوروبية وإنتقالات تبحث عن التنافسية

جدل كبير ونقاشات واسعة وأخبار غزيرة متناثرة عرفها الميركاطو الشتوي الأخير، والذي لم يسدل ستاره إلا وقد شهد على صفقات غريبة ومفاجئة للعديد من أسود العالم، والذين قرروا فجأة ركوب نفس الطائرة ومغادرة القارة العجوز.

الخليج إستقطب الثوابت وترك لأوروبا الفتات، والشباب توزعوا بين مختلف الأندية الصغيرة بحثا عن التنافسية، فيما الأقلية فقط من قامت بضربة "معلم" ونجحت في السير خطوات للأمام.

"المنتخب" تعيد بالرصد والتحليل والمتابعة الدقيقة، بث شريط الميركاطو المثير من ألفه إلى يائه بأبطاله ومخرجيه وحِبكته الإستثنائية.

سوق تمطر الشائعات

كعادة كل ميركاطو سواء في الصيف أو الشتاء، لا حديث يدور في المنابر الإعلامية الرياضية العالمية إلا عن سوق الإنتقالات، وكثرة العروض والإهتمامات، وتعدد المفاوضات والإتصالات، والتي يكون مصدرها الأول والأخير وكلاء الأعمال الذين ينشطون مرتين في السنة، ويروجون عادة للشائعات للرفع من أسهم موكليهم وفتح باب الآمال في طريقهم.

سوق الكرة واللاعبين عديدة فيه المضاربات والأكاذيب، وقليلة فيه الحقيقة والعروض الجدية، والدليل البون الشاسع الذي يكون عادة بين ما يشاع ويُتداول في وسائل الإعلام، وما ينتهي به المخاض من صفقات مفاجئة ومغايرة لتلك التي كانت متوقعة.

الأسود وكباقي المحترفين في البطولات خاصة الأوروبية، يعتبرون مادة دسمة للصحف والجرائد والمواقع، كونهم من عشاق الترحال والتنقلات، وأكثر الجنسيات العربية المطلوبة شمالا وشرقا.

معذبون يبحثون عن الفرج

لم يكن ذهاب الموسم الجاري سعيدا للعديد من الأسود وموفقا على مستوى التنافسية والتألق، بعدما عانى الكثيرون من قلة المباريات وإنخفاض منسوب اللياقة، جراء الجلوس شبه الدائم في كرسي الإحتياط، أو العطالة القاتلة بالنسبة لآخرين لم يلمسوا الكرة منذ المونديال الروسي.

المعذبون إنتظروا حلول الميركاطو الشتوي والممتد من فاتح إلى متم شهر يناير، ليطرقوا كل الأبواب ويفاوضوا مختلف المدراء الرياضيين للأندية الأوروبية والخليجية، والحديث عن المهدي بنعطية، امبارك بوصوفة، عادل تاعرابت، أشرف لزعر، عاطف شحشوح، نبيل درار وغيرهم من الذين عاشوا ذهابا أسودا.

وإلى جانب هؤلاء باغث البعض الجميع وهم يحزمون الحقائب ويحطون الرحال بأماكن جديدة، رغم أنهم لم يكونوا في وضعيات صعبة ولم يعانوا من مشاكل رفقة أنديتهم، كحالة مروان داكوسطا وخالد بوطيب.

مغناطيس الخليج

إرتفعت كوطة الأسود منذ المشاركة في كأس العالم، وشرع زملاء نور الدين أمرابط في التحليق تباعا فوق الأجواء العالمية، مع تغيير البوصلة فجائيا من أوروبا إلى غرب آسيا، حيث صدم ثوابت الفريق الوطني الناخب هيرفي رونار والجمهور المغربي بتلبية نداء العقل والإستجابة لإغراءات الخليج.

الأخير لعب دور المغناطيس وإستمال الأحمدي وأمرابط صيفا، ليضيف إليهما داكوسطا وبنعطية وبوصوفة شتاءا، كما حل بوطيب بجوارهم متعاقدا مع الزمالك المصري، مما يعني أن أكثر نصف التشكيلة الرسمية للأسود غادرت أوروبا والأندية الكبيرة للإحتراف في السعودية وقطر ومصر.

ويعتبر عامل السن القاسم المشترك بين هذا السداسي بتجاوزهم عتبة الثلاثين، وطمعهم في إغناء الرصيد بملايير إضافية قبل سنتين أو ثلاث من وضع نقطة النهاية وإعلان الإعتزال.

العميد يكمل السلسلة

إن كان تعاقد الأحمدي مبكرا مع الإتحاد السعودية منطقيا إلى حد ما في ظل مجموعة من المبررات الموضوعية، فإن مغادرة داكوسطا لمتصدر البطولة التركية للإنضمام إليه مؤخرا شكل أكبر المفاجآت، ومعه الخطوة للوراء التي أقدم عليها الهداف بوطيب بقبول عرض رئيس الزمالك مرتضى منصور بعد موسم ونصف فقط بمالاطيا سبور، قبل أن تأتي الصفعة المدوية والضربة القاضية من العميد المهدي بنعطية، الذي زلزل الميركاطو العالمي بصفقة مثيرة وغريبة من جوفنتوس الإيطالي إلى الدحيل القطري.

القيصر غضب من وضعيته كإحتياطي باليوفي وإستعجل الرحيل رغم رفض إدارة فريقه، وبينما كانت جل وسائل الإعلام تقربه من شالك الألماني أو مانشستير يونايتد وأرسنال الإنجليزيين أو ميلان الإيطالي، فإذا بالرجل يخرج من الباب الصغير ويركب الطائرة المحلقة صوب الخليج، وتحديدا الدوحة القطرية متعاقدا مع الدحيل لمدة ثلاث سنوات ومقابل أجر سنوي لا يقل عن 5 ملايين أورو.

ركود أوروبي

الأنظار والصفقات العظمى ربحتها الأندية الخليجية بالسعودية وقطر ولم تترك للأوروبيين إلا الفتات، فلم يحدث أي إنتقال مغري وضخم داخل القارة العجوز بالنسبة للمحترفين المغاربة خلال الميركاطو الأخير، بإستثناء الصفقة الرائعة والمثالية للدولي الأولمبي سفيان كيين من كييفو فيرونا إلى نابولي.

الركود كان السمة الأبرز لأسود أوروبا، في وقت غيّر فيه آخرون الألوان وهم الذين لا يلعبون مع الفريق الوطني، كمحمد أبرهون وعاطف شحشوح اللذان تعاقدا مع ريزي سبور التركي، وإلياس بلحساني ومحمد الحنكوري إلى غرونينخن الهولندي، والرحالة عبد العزيز برادة الذي ودع أنطاليا بعد مقام قصير، طارقا باب فريق طاراغونا الممارس بالدرجة الثانية الإسبانية، في وقت إنتظر فيه أيت بناصر اليوم الأخير من الميركاطو ليغادر موناكو من جديد معارا إلى سان إتيان، قبل أن يسدل أشرف لزعر الستار على السوق في آخر ساعة بإنتقال إلى شيفلد قادما من نيوكاسطل.

صدمات وخيبات وتخوفات

الجمهور المغربي من صغيره إلى كبيره مستاء من الهجرة الجماعية للمحترفين المغاربة صوب الخليج، والضجر إزداد بعد صفقة بنعطية الذي أبى مخالفة رفاقه والخروج من كوكبتهم، الشيء الذي خيّب آمال الأنصار والعشاق مع إقتراب كأس أمم إفريقيا بمصر.

الصدمات والخيبات تعززت في الميركاطو المنصرم، والدعوات إلى إيقاف هذا النزيف بسرعة وحماية البقية من جاذبية الرمال، حتى لا يفقد العرين أسوده المخضرمين والشباب، ويتهاوى الصرح الذي بُني في آخر سنتين، بزوبعة رملية ستؤثر بدنيا وتقنيا وذهنيا على الأعمدة الرئيسية.

الكبار في السن إتخذوا القرار وطالبوا بإحترامه، ودعوا الجمهور المغربي إلى التفاؤل بالمستقبل ووضع الثقة في الخلف الشاب الذي يتقدمه حكيمي، زياش، النصيري، بوفال، مزراوي، حارث..لكن المخاوف باتت كبيرة من إمكانية تكرار السيناريو الصيف المقبل، وإستسلام الصاعدين والأشبال الواعدين لأموال الخليج، وبالتالي معادلة أو تفوق التمثيلية المغربية بالدول العربية على نظيرتها بالدول الأوروبية.