نظرنا للذي تركته مباراة الذهاب بالبليدة الجزائرية بين أسود البطولة والمنتخب المحلي الجزائري من إرث رقمي ومن محصلات تكتيكية، فأوجستنا مباراة الإياب وتركتنا، برغم يقيننا من أن لاعبينا هم الأفضل على كافة المستويات التي تحدد سمات التباري، متخوفين من أن يحصل ببركان ما يزيد الإحباط تغلغلا في الضلوع. وزاد الطين بلة ما رمى به الناخب الوطني وحيد من كلام على العواهن شوش المحيط وحرف القطار عن سكته وأخرج الكثير من السكاكين من أغمادها.
كان الخيار الوحيد لعموتة، لإنطاق الحقيقة القائلة بوجود فوارق بيننا وبين المنتخب الجزائري كما هو اليوم، لا يجوز معها أي قياس، أن يشهر السلاح التكتيكي المدمر، سلاح الضغط العالي الذي يخنق المنافس ويهدم صوامعه الدفاعية ويخرب منظومته بالكامل، سلاح يقتضي الكثير من الإحتراز في هندسة الأداء الجماعي وفي ضبط الخطوط، كما يستدعي وجود لاعبين بمنسوب بدني كبير وبقدرة عالية على تمثل أحكام أسلوب اللعب القائم على التواجد العددي في الشق الهجومي من دون التفريط في الواجبات الدفاعية، والتمتع بقدر عال من التركيز لإنهاء البناءات الهجومية بنسب كبيرة من التوفيق.
كان هذا هو الخيار الذي ركن إليه عموتة، وقد ساعده في ذلك أيضا، أن الملعب البلدي ببركان وقد امتلأت كل جنباته، تحول بالفعل إلى مرقص من نار من لا يملك أجنحة حديدية سيكون مآله عند أي تحليق الإحتراق..
كان ذاك هو الخيار التكتيكي، أما السيناريو فهو أن يفلح المنتخب المحلي في وقت قياسي في تسجيل هدف السبق، ليتأتى له الإجهاز بالكامل على أي ردة فعل من المنتخب الجزائري، وهو ما كان مع التحليقات الرائعة لرجل المباراة اسماعيل الحداد، الذي سينجح في كسر الطوق الدفاعي الجزائري ليتصيد ضربة جزاء منها سجل العميد بانون على طريقة الكبار هدف التقدم. حدث ذلك في توقيت جيد من زمن المباراة، والطراوة البدنية للأسود المحليين ما زالت في ذروتها، ليحدث ما كان ضروريا أن يحدث، أن يواصل المنتخب المحلي غاراته الهجومية ليسجل ثلاثة أهداف كاملة بها أنهى الشوط الأول، وبها أنهى المباراة، لأنه كان من الصعب جدا أن ننتظر ردة فعل قوية من منتخب جزائري مهزوم في نفسيته ومحطم في كبريائه وفاقد للأدوات البدنية والتكتيكية التي يستطيع بها إنجاز "الريمونتادا".
بالقطع لا يجب أن نؤاخذ لاعبي المنتخب المحلي على أنهم خفضوا الإيقاع في الشوط الثاني وغامروا بتدبير 45 دقيقة كاملة بتوهيم الإيقاع، ولا يمكن أن نسائل على ذلك المدرب الحسين عموتة، لأن ما أفرغه اللاعبون في الجولة الأولى من وعائهم البدني، لتكون لهم القدرة على إنجاز الشق التكتيكي الصعب في خيار اللعب بإيقاع مرتفع وبأسلوب ضاغط خلال الخمس وأربعين دقيقة الأولى، لم يسعفهم أبدا على مواصلة اللعب بنفس الريتم، واللاعبون فوق طاقتهم لا يلامون.
لقد أنجز المنتخب المحلي برأيي المبارة المثالية في نتيجتها أولا وفي تأطيرها التكتيكي ثانيا وفي التقدير الجيد للاعبينا لممكنات المنافس، وهي مباراة يجب أن يقاس عليها عندما تكون هناك ضرورة للوقوف على المستوى الذي يوجد عنده لاعبو البطولة المحلية بدنيا وذهنيا وتكتيكيا، هي أيضا مباراة تلزمنا كل معطياتها الفنية والتكتيكية ومؤشراتها الرقمية المرتبطة بالجهد البدني الذي بذله اللاعبون، كل واحد على حدة، بأن نواصل العمل في الشق البدني والتكتيكي والخططي لجعل اللاعبين أكثر قدرة على استيعاب وتمثل ضرورات كرة القدم المستوى العالي، ليكون طريقهم بعد ذلك ميسرا للمنتخب الأول، بلا مزايدات كلامية وبلا مقارنات شعبوية..