"كوفيد 19".. أعجوبة العصر، وسيد هذا الزمان.. لا يتورع عن أكل كل بشر يصادفه.. فيروس متسلط، تكوينه الأساسي تكوين عدواني، يتلذذ بمَدِّ ساقيه على رقاب البشرية، ويزهق بتركيبته الغامضة الأرواح بالآلاف!! 

ظهر "كوفيد 19" أو فيروس كورونا المستجد لأول مرة في أقصى شرق الأرض كجرتومة زكام، "فتزكمت" الصين، وتبعتها دول الجوار، ثم "تزكم" العالم بإسره بعد ذلك بالتبعية، حتى بلغ "الوباء" أقصى غرب الأرض! وتأكد أنه فيروس ليس موسمي، بل ظهر وفي نيته أن يستوطن ويعمر طويلا، والخطير في الأمر أنه يتميز بقدرة فائقة على  التدمير المطلق!

الكل سواسية!

قد يكون الصينيون استخفوا بهذا الفيروس في بداية الأمر، وربما نتيجة هذا الاستخفاف ضاع العالم عندما تحول الوباء إلى جائحة يصعب السيطرة عليها، ولم تعد كل دول العالم تعرف كيف تصده ولا كيف تحاربه، ولا أحد بعد استطاع أن يضع حدا لتجاوزاته ولغريزة القتل التي تسكنه!

حتى علماء المختبرات وخبراء صناعة اللقاحات لم يتوقعوا هذه الهجْمة الهمجِية من كائن فيروسي لا يرى بالعين المجردة يَسْلُق الإنسانية جمعاء، ويزهق الأرواح بالآلاف ويوقف الكرة الأرضية عن الدوران! وكلما توغلوا في بحوثهم واجتهاداتهم وتجاربهم للإطاحة به شعروا أن عملهم غير مجد، وميؤوس منه!! ويتقنوا أنه فيروس لعين حشر العالم بكل قوته وجبروته وعلومه وصناعته واكتشافاته، في زاوية ضيقة، وجعله يصرخ ويستغيث طلبا للمدد والنجدة!

ودخل العالم حربا استنزاف من نوع جديد اضطربت معه الرؤية، وساد الغموض، وخسر العالم ملايير بل تريليونات الدولارات.. ولم يعد أحد يفهم شيئا.. حتى اختلط اللون الأبيض باللون الأسود.. وأطاح هذا الفيروس بالجميع دون تمييز، فأصاب الكبير والصغير، الذكر والأنثى، الغني والفقير، الحاكم والمحكوم، الضعيف والقوي، السقيم والمتعافى، الرياضي وغير الرياضي، أصحاب البشرة البيضاء وأصحاب البشرة السوداء، ساكني مدن الصفيح وساكني القصور، أصحاب النجومية والشهرة والمغمورون والمعذبون في الأرض.. وسار الكل سواسية!

الرابح الأكبر.. الأرض!

ودن سابق إنذار هجم الفيروس على نجوم الرياضة والمشاهير والسياسيين ورؤساء الدول، والكثير الكثير من عامة شعوب الأرض.. كلهم دخلوا المستشفيات.. في حين بات أغلب سكان المعمور محدودون بجغرافية 4 جدران مهما اتسعت مساحتها أو ضاقت.. وشعر أكثر من نصف الساكنة على وجه الأرض أنهم مسجونون! وصارت المناديل الورقية، والسوائل المعقمة، ومواد التنظيف أغلى من الذهب، وأهم من أي معدن نفيس.. فهي قد تضمن الحياة في زمن ألغى فيه الوباء كل ما هو فخم وفاخر وثمين.. وتيقن العالم أجمع أنه لا مفر من قضاء الله إلا إلى قضاء الله.. واتضح أن كثيرا من تصرفات الناس ومن عاداتهم لم تعد صالحة للإستعمال أو التداول.. وفي أحسن الأحوال لا تصلح آنيا ولا بد من منحها إجازة حتى إشعار آخر.. لا سلام بالأيدي ولا تقبيل ولا عناق ولا تجمعات ولا اختلاط ولا زيارات..

وارتاح كوكبنا، مؤقتا، من جبروت البشر.. ولأول مرة في التاريخ أخذت الأرض نفسا عميقا بعدما أقفلت كبريات المعامل وتوقفت الطائرات عن التحليق، وحصلت ثلثي سيارات العالم على إجازة مفتوحة.. فتخلصت سماء الكرة الأرضية من أطنان من عوادم السيارات والطائرات والمعامل، وكثير من المواد السامة التي تقتل غلافنا الجوي في كل لحظة وفي كل ثانية، واستراحت طبقة "الأوزون" وبدأت تتجمع ثانية لتسد الثقوب وتستعيد عافيتها وغلافها الدفاعي.

العالم يصرخ

حتى الدول العظمى لم تسلم من لعنة الوباء.. فالولايات المتحدة الأمريكية وبعدما استهانت به في بداية الأمر وجدت نفسها وقد لعبت الأقدار معها لعبتها وتحولت من الصفوف الخلفية مع عديد من الدول التي أصابها الفيروس متأخرة، إلى مركز الصدارة برقم مهول من الإصابات.. إذ قفزت سريعا إلى المركز الأول لتتصدر المشهد حتى وقت الأزمات.. وباتت أمريكا أرضا موبوءة والأكثر وباء بالفيروس اللعين!

وفي أوروبا يترنح الناس كل لحظة بين النجاة والموت، ويخوضون معركة الحياة في كل وقت وحين.. لم تسلم إسبانيا ولا فرنسا ولا إنجلترا ولا أي بلد أوروبي آخر.. أما في إيطاليا المنكوبة فقد تحول ممر غاليريا فيتوريو بميلانو مثلا إلى مقبرة تتكدس فيها آلاف الجثث.. وبدأ الإيطاليون يصرخون: كيف نبقى على قيد الحياة؟ وتبعهم في الصراخ كثير من الشعوب ومن دول العالم.

واتضح أن كل حروب الدنيا وأزماته السياسية وكل مشاكل تلوث البيئة وغيرها، لم تعد تشغل بال الإنسان في الوقت الراهن مثلما يشغله فيروس "كورونا" القاتل.