تضمّد عاصمة الولايات المتحدة واشنطن وعشرات المدن الأميركية الكبرى الإثنين جراحها متخوّفة من تجدد أعمال العنف، بعد أسبوع من وفاة جورج فلويد، الأميركي الأسود الذي قضى خلال توقيفه على يد شرطي أبيض.

في واشنطن التي شهدت ليلة حافلة بالاضطرابات وفرض حظر تجول لا يزال محيط البيت الأبيض شاهدا على المواجهات مع وجهات زجاجية محطّمة وحاويات نفايات محروقة وكتابات وشعارات تملأ الجدران.

وستبقى صورة البيت الأبيض غارقا في السواد ومحاطا بحرائق مفتعلة عالقة في الأذهان. وقد نقلت الأجهزة الأمنية الرئيس الأميركي دونالد ترامب على عجل إلى مخبأ تحت الأرض ليل الجمعة-السبت.

ومن نيويورك إلى لوس أنجليس مرورا بفيلادلفيا وسياتل، تظاهر مئات آلاف الأميركيين السبت والاحد ضد العنف الممارس من قبل الشرطة واللامساواة، التي فاقمتها جائحة كوفيد-19.

وأثارت وفاة جورج فلويد، الأميركي الأسود البالغ 46 عاما والذي قضى اختناقا خلال توقيفه على يد شرطي أبيض في ولاية مينيسوتا في 25 أيار/مايو موجة الاحتجاجات العنيفة.

وخلال النهار بقيت الاحتجاجات سلمية بغالبيتها، لكن مواجهات عنيفة سجّلت ليلا تخلّلها إشعال حرائق وعمليات نهب وتخريب واسعة النطاق.

ولم يسهم طرد الشرطي ديريك شوفين الذي ضغط بركبته على عنق فلويد حتى الموت من الخدمة وتوقيفه لاحقا وتوجيه تهمة القتل غير العمد إليه في تهدئة النفوس، لا بل اتّسعت رقعة الاحتجاجات إلى 140 مدينة أميركية على الأقل.

ونشرت قوات الحرس الوطني في أكثر من عشرين مدينة كبرى لمؤازرة شرطة مكافحة الشغب في المواجهات مع المتظاهرين والمخربين، وسط توترات غير مسبوقة منذ تسعينيات القرن الماضي.

واستخدمت أجهزة الأمن المدرّعات المخصّصة لنقل العناصر والغاز المسيل للدموع والأعيرة المطاطية.

وفرض حظر تجول في مدن شيكاغو ودنفر ولوس أنجليس وسولت ليك سيتي وكليفلاند ودالاس وإنديانابوليس. أما في واشنطن فقد تم تمديد ساعات حظر التجول المفروض ليصبح ساريا الإثنين اعتبارا من الساعة 19,00 بالتوقيت المحلي بدلا من الساعة 23,00.

وكان الرئيس الأميركي اتهم اليسار المتطرّف بإثارة أعمال العنف التي شملت النهب وإشعال الحرائق. وقال ترامب الذي دان مرات عدة الموت "المفجع" لجورج فلويد، إن المتظاهرين يلحقون العار بذكرى الرجل.

وحضّ الإثنين حكام الولايات على التشدد معتبرا أنه "يجب علينا ألا نسمح لمجموعة صغيرة من المجرمين والمخربين بتدمير مدننا".

واتّهم ترامب خصمه الديموقراطي جو بايدن بالعمل على إخراج مثيري الشغب من السجون، بعدما أوقفت قوات الأمن آلاف الأشخاص.

وندد بايدن الإثنين بنهج ترامب ومشاكل العنصرية واللامساواة التي تنخر الولايات المتحدة، وذلك خلال لقائه مسؤولين دينيين وسياسيين سودا في ديلاوير. ويعتمد بايدن على هذه الشريحة من الناخبين للفوز بالرئاسة في 3 تشرين الثاني/نوفمبر.

ومساء الاحد سجلت عمليات نهب في فيلادلفيا ونيويورك، وفي مركز تجاري كبير في سانتا مونيكا، في ضواحي لوس أنمجليس.

ونُظّمت تظاهرات في ميامي ونيويورك أُطلقت خلالها شعارات "أرواح السود لها قيمة"، و"أعجز عن التنفس" (الكلمات الأخيرة التي قالها فلويد).

- أعيرة مطاطية -

وكان من المقرر أن يمثل شوفين الذي وجّهت إليه تهمة القتل غير العمد أمام المحكمة الإثنين، لكن الجلسة أرجئت إلى الثامن من حزيران/يونيو.

وكانت عائلة فلويد أعلنت أنها ستنشر عصر الإثنين نتائج التشريح، وهو أمر من غير المرجّح أن يهدئ التوترات.

وفي منطقة سانت بول قالت منى عبدي، وهي متظاهرة سوداء تبلغ 31 عاما، لوكالة فرانس برس "لدينا أبناء سود، وأشقاء سود وأصدقاء سود، ولا نريد أن يموتوا. لقد سئمنا من تكرار هذا الأمر، هذا الجيل لن يسمح بذلك. لقد ضقنا درعا من القمع".

واعتبر ترامب أن من يقف وراء ذلك مجموعات منظمة، وبخاصة حركة "انتيفا" اليسارية المتطرفة والتي يعتزم معاقبتها.

-كفى -

تسببت قضية وفاة فلويد بتظاهرات خارج الولايات المتحدة أيضا لا سيما كندا وبريطانيا وألمانيا ونيوزيلندا.

وندد بطل العالم لسباقات الفورمولا واحد ست مرات البريطاني لويس هاميلتون بصمت "أكبر النجوم" في عالم الفورمولا واحد "الذي يهيمن عليه البيض".

وأبدى ثلاثة لاعبين سود في بطولة ألمانيا بكرة القدم تضامنهم مع فلويد، أبرزهم مهاجم بوروسيا مونشنغلادباخ الفرنسي ماركوس تورام، نجل النجم الفرنسي السابق ليليان، الذي احتفل بهزه شباك أونيون برلين راكعا على ركبته وحانيا رأسه دعما لحملة حركة "بلاك لايفز ماتر" التي اكتسبت زخما إضافيا بعد مقتل فلويد.

واعتبرت الصين أن التظاهرات في الولايات المتحدة تظهر أن العنصرية "مرض مزمن في المجتمع الأميركي".

ودعت إيران من جانبها الولايات المتحدة إلى "وقف العنف" ضد شعبها".