تتواصل في هذه الأثناء الندوة العلمية التي ينظمها الإتحاد الدولي للصحافة الرياضية بتقنية "زووم" احتفاء باليوم العالمي للصحافة الرياضية الذي يصادف الثاني من يوليوز، في محور "الصحافة الرياضية بعد جائحة كوفيد 19".

وكان الزميل بدر الدين الإدريسي رئيس تحرير صحيفتنا "المنتخب" ورئيس الجمعية المغربية للصحافة الرياضية، أول المتحدثين في هذه الندوة التي أعطيت فيها الكلمة لكبريات الصحف الرياضية حول العالم، وهذا هو النص الكامل للمداخلة التي ألقاها الزميل بدر الدين الإدريسي باللغة الفرنسية:

الزميل جياني ميرلو رئيس الإتحاد الدولي للصحافة الرياضية

سعادة السيد طوماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية

زملائي الإعلاميين الرياضيين في مختلف بقاع العالم

متابعونا على مختلف وسائط التواصل الإجتماعي

من المغرب أنقل لكم تحيات زملائكم الإعلاميين الرياضيين المغاربة، مقرونة بمتنياتهم الصادقة لكم وللإتحاد الدولي للصحافة الرياضية بالتوفيق والنجاح.

بمناسبة احتفالات الصحافة الرياضية بيومها العالمي، وقد قدر لاحتفالاتنا هذه السنة بأن تكون على وقع حدث استثنائي غير مسبوق في تاريخ البشرية،جائحة كوفيد 19 التي ستكون لها بلا أدنى شك تداعيات سلبية كثيرة على الإعلام الرياضي العالمي، ومن موقعي كإعلامي رياضي مهني تأثر ومن خلالي الصحيفة التي أرأس تحريرها بجائحة كورونا، أحيي بادرة الإتحاد الدولي للصحافة الرياضية بالدعوة إلى هذا النقاش العالمي الهادف بالأساس إلى وضع خارطة طريق مستقبلية للإعلام الرياضي العالمي لما بعد جائحة كوفيد 19.

ومع حرصي الكبير على توجيه خالص الشكر للإتحاد الدولي للصحافة الرياضية لاختياره جريدة "المنتخب" المغربية المتخصصة في الرياضة لتكون من ضمن المتحدثين في هذه الندوة العلمية المنظمة عن بعد والتي تعطى فيها الكلمة للفاعلين المباشرين، فإنني متفائل من أنه ستكون  لهذه الندوة مخرجات وخلاصات ذات أهمية بالغة وذات تأثير قوي على الإعلام الرياضي العالمي، الذي يعيش على وقع الكثير من التحديات المقترنة ليس فقط بجائحة كوفيد 19، ولكن أيضا برهانات الإعلام الحديث.

 

الزملاء الأعزاء، السيدات والسادة

لا خلاف على أن ما يعيشه الإعلام منذ بداية جائحة كوفيد 19، وضع استثنائي غير مسبوق، وضع صادم وغير متوقع، قبل الحديث عن تداعياته السلبية في القادم من أشهر، لابد أن نتحدث عن كارثية تداعياته على حاضر المقاولات الإعلامية إسوة بغيرها من مقاولات لها طبيعة إنتاجية، وإذا ما نحن قدرنا التداعيات على المقاولات الإعلامية بدرجات عالية من السلبية، فإن الوضع بالتأكيد سيكون أكثر كارثية وخطورة عندما نتحدث عن الإعلام الرياضي المقترن اقترانا كاملا بالحركة الرياضية، فقد وجد هذا الإعلام نفسه محاصرا بوضعية لم يمر عليه شبيه ومثيل لها،منذ الحرب العالمية الثانية، وكلنا كإعلاميين رياضيين نعرف جيدا أن لا حياة لمهنتنا من دون أحداث رياضية، وأننا وجائحة كورونا تضرب عالمنا من أقصاه لأقصاه، خيرنا بين أمرين أحلاهما مر، بين أن ننسحب من المشهد الإعلامي بحجة أن الأحداث الرياضية التي هي مصدر اشتغالنا توقفت بالكامل،وبين أن لا نرفع الراية البيضاء، وأن لا ننسحب من المشهد ونتكيف مع الظروف القاهرة والطارئة ولا نجعل عاشق الرياضة يتجرع مرارتين، مرارة التوقف الكامل للمباريات الرياضية، ومرارة احتجاب صحفه الرياضية عن الصدور، وقد فضل كثير منا في كل بقاع العالم مواصلة الصدور مهما كلف ذلك من خسائر مالية ومن جهد إعلامي خارق لصناعة المحتوى البديل الذي يلقى القبول ويحقق الجاذبية..

إن مؤسسة "المنتخب" التي تصدر الصحيفة الورقية والإلكترونية التي أتشرف برئاسة تحريرها منذ سنة 1986، انحازت إلى الخيار الصعب الذي انحازت له كبريات وسائل الإعلام المتخصصة في الرياضة، أن توظف مرجعياتها الصحفية وخبراتها في مجالات الإعلام ومهارتها في صناعة المحتوى لتقديم مادة صحفية رياضية تحظى بالقبول، ولن أخفيكم سرا إذا قلت، أن هذه الخدمة الإعلامية التي اقترنت بعرض النسخة الإلكترونية مجانا على قراء محكومين بالبقاء في بيوتهم خلال فترة الحجر الصحي، مثلت نوعا من التضحية ومظهرا من مظاهر المواطنة، ولابد أن أعترف اليوم أمامكم أنها كانت تجربة رائعة ومثيرة برغم ما رافقها من متاعب، فليس سهلا أن تتوصل صحيفة إلى صناعة محتوى إعلامي جاد وجذاب والأحداث الرياضية متوقفة تماما.

وإذا جزمنا، أن ما بعد جائحة كورونا، سيكون لحظة زمنية فارقة في تحيين وتجويد النظام العالمي وإعادة ترتيب الأولويات، فإن المنظومة الإعلامية شأنها شأن كل الرافعات الأساسية لمجتمع إنساني قائم على العدالة والديموقراطية والمساواة ويقدر جيدا ما معنى أن يكون لنا مصير مشترك، ستكون بحاجة إلى ما يقويها ويمنحها الحصانة الكاملة ضد الجائحات والعوارض.

وبالنظر إلى أن الإعلام الرياضي يقترن اقترانا كاملا بالرياضة، فإن هناك حاجة لما يجعل هذا الإرتباطالوثيق وهذه الشراكة التاريخية معبر عنها بالفعل لا مجرد شعارات مناسباتية.

 

الزملاء الأعزاء السيدات والسادة

إن يقيننا الكامل من أن ما بعد جائحة كورونا، سيكون نظاما رياضيا عالميا جديدا، يقوم أولا على رفع مستويات تأمين الحركة الرياضية ضد العوارض والجائحات والقوى القاهرة، ويقوم ثانيا على عقلنةالتدبير الإقتصادي للرياضة والحيلولة دون جنونه وتهوره ويقوم ثالثا على إشاعة مزيد من المساواة بين قارات العالم في المجال الرياضي، 

يجعلنا نتصور أن أي مخطط لوضع نطام رياضي عالمي جديد لا يمكن أن يكون بمعزل عن الإعلام الرياضي، لأن غير ذلك سيحدث شرخا كبيرا في منظومة الإشتغال، وهنا أتمنى على الإتحاد الدولي للصحافة الرياضية بأن يكون في صلب التفكير العالمي، وأن يكون شريكا لأي صياغة لهذا النظام الرياضي العالمي سواء حدث ذلك على مستوى اللجنة الأولمبية الدولية أو على مستوى الإتحاداتالرياضية النوعية العالمية.

إن كانت الرياضة تفخر بأنها وصلت إلى هذه المستويات الفلكية في الجماهيرية والمتابعة التي حققت من خلالها عائدات مالية خرافية، فإنها تدرك جيدا أنها مدينة في ذلك كثيرا لوسائل الإعلام ولتكنولوجيا الإتصال، ومن هذا المنطلق فإنني أدعو إلى التفكير في أنماط جديدة تجعل الإعلام في جوهر التحولات الكبرى للرياضة، لا أن تبقيه رقما صغيرا على الهامش كما هو الحال مع بعض المؤسسات الرياضية التي أصبحت تنصب المتاريس والموانع في وجه الإعلام الرياضي.

 

الزملاء الإعلاميون السيدات والسادة

إن حاضرنا المضطرب، المهموم والمثقل بأسئلة القلق،لابد وأن يكون منطلقا لتفكير جماعي جديد وجاد في المستقبل القريب للإعلام الرياضي، حيث ستكون معركتنا القادمة ليس فقط لإزالة الفوارق الموجودة في معاملة المؤسسات الرياضية للإعلام بين قارات العالم،وليس مواجهة الجشع الإقتصادي الذي يضرب الرياضة فلا يقيم وزنا لقيمها وأهدافها وغاياتها،وليس تأمين الوصول السلس للمعلومة، بل إن ما يستجد في معركتنا المستقبلية، هو أن نبدع كإعلام رياضي عالمي نظاما حمائيا ضد العوارض والجائحات، وأن نتعمق في شراكتنا مع المؤسسات الرياضية ومع المؤسسات الإقتصادية التي تستثمر في الأحداث الرياضية، بأن تكون تلك الشراكة قائمة على قواعد صلبة وقانونية لا على الأهواء والمصالح الضيقة.

وطبعا للإتحاد الدولي للصحافة الرياضية وللإتحادات القارية المتفرعة عنه وللإتحادات الوطنية دور يجب أن تلعبه في هذا المجال، وهو دور الحاضن للأفكار والمقترحات التي تجعل ممكنا خلال السنوات القادمة أن يكون الإعلام مدمجا بالكامل في الصناعة الرياضية، أن يكون رقما صعبا في معادلة بناء النظام الرياضي العالمي الجديد لا رقما صغيرا على الهامش.

إن ما أبداه الإعلام الرياضي العالمي والوطني من خلال جريدتنا "المنتخب" ومن خلال كل زميلاتها في العالم كله، من براعة وقدرة رهيبة على مقاومة جائحة كورونا وإبداع منظومة صحفية واجهت صمت القبور الذي ساد ملاعب العالم، يقول بأن هذا الإعلام الرياضي يكتسب مناعة ضد الأزمات ولا يستسلم،يبدع حتى وهو ينزف، يقاوم حتى وإن كانت قواه قد خارت لشدة الصدمات، هذا الإعلام الرياضي العصي على الإنكسارات قادر على أن يربح رهان البقاء والإستمرار ولكن بشرط أن يجتمع على قرار واحد، هو أن المصير المشترك يفرض التفكير المشترك والعمل المشترك، فلا قدرة لنا للصمود إن بقينا نقاتل العوارض والجائحات في ثكنات متفرقة ومتباعدة ومعزولة..

 

الزملاء الأعزاء السيدات والسادة

أن ما سيأتي بعد جائحة كورونا زمن إعلامي رياضي جديد يجب أن نعد له العدة، أن نكون قد استخلصنا ما يلزم من دروس الجائحة، بتجويد المضمون الإعلامي وتنويعه وتخصيبه ليستجيب لكل الأذواق وليتطابق مع الشمولية التي يفرضها الإعلام الحديث، وقد شرعنا داخل مؤسستنا الإعلامية "المنتخب" في التحضير للمرحلة القادمة، بوضع استراتيجية مستقبلية تروم وضع "المنتخب" في صلب التحولات الكبرى التي سيشهدها العالم، التي سيشهدها الإعلام والتي ستشهدها الرياضة،استراتيجية غايتها رفع الأداء المهني وتنويع المنتوجالإعلامي بالتواجد في كافة مناطق الإعلام الحديث المكتوب السمعي البصري وفي كل وسائط الإتصالوالتواصل الإجتماعي.

إن ما عشناه خلال جائحة كوفيد 19 يجعلنا نسرع الخطى نحو هذه الأنماط الجديدة في صناعة المحتوى، لنضمن قاعدة عريضة من المتلقين بدل استهداف فئات بعينها، حتى لو دفعنا ذلك لتغيير ما كنا نعتقد في وقت سابق على أنها ثوابت ومقدسات مهنية لا يمكن التفريط فيها، فكل شيء يتغير بالقوة القاهرة لجائحة كوفيد 19، شكل الإخراج ونمط الإنتاج ومستويات توظيف وسائط التواصل والهوية البصرية ولغة الخطاب، إلا شيء واحد الخط التحريري الذي إن ضاع ضاعت معه هوية وسيلة الإعلام..  

 لكم جميعا أجدد شكري على تشريفي بالتحدث إليكم من مغرب يحبكم جميعا، وليكن عيدنا تجديدا لعهدنا الجماعي من أجل الإنتصار للإعلام الرياضي المصداقي والعلمي والجاد الذي لا حياة من دونه للرياضة.

 

محدثكم من المغرب بدر الدين الإدريسي رئيس تحرير صحيفة "المنتخب" الرياضية ورئيس الجمعية المغربية للصحافة الرياضية ونائب رئيس الإتحاد العربي للصحافة الرياضي، الفخور بالإنتماءلصرحنا الإعلامي الكبير، الإتحاد الدولي للصحافة الرياضية..

الرباط: 2 يوليوز 2020.