• «الهيليكوبتر» يخطو نحو قلعة الأساطير

لم يدر في خلد الكثيرين أن يوسف النصيري الذي غادر موطن ولادته فاس وهو في سن 12 عاما ليطارد حلمه بحثا عن المجد.. سيصبح في ظرف وجيز واحدا من نجوم «الليغا»، يقف جنبا إلى جنب مع الهدافين العمالقة، بل ويقارعهم في تحد صارخ، ليتحدث عن الإعلام الإسباني بإسهاب وبكثير من التقدير والإعجاب. 
وطبعا لا تتحدث عنه الصحافة الإسبانية إلا وذكرت بمن يكون هذا النجم القادم من الجنوب.. حيث تكتب كلما سطع نجمه العبارة التالية «إنه الهداف الذي آلمنا في مونديال روسيا.. هل تعرفونه؟ إنه يوسف النصيري». 
نعم.. النصيري أحدث ألما كبيرا وجرحا عميقا في كبرياء المنتخب الإسباني في مونديال روسيا 2018، يومها هزم دافيد دي خيا وأسقط سيرجيو راموس وأحدث ألما كبيرا في نفوس 47 مليون إسباني كانوا يضعون المنتخب المغربي في جيبهم الصغير!

• إبن الأكاديمية
لم يخب ظن أكاديمية محمد السادس لكرة القدم عندما احتضنت يوسف النصيري من أول يوم، فقد وجدت فيه «المادة الخام» والموهبة التي تزخر بالكثير من القدرات الهادرة، واللاعب الذي يستطيع أن يشق طريقه بثبات ليصبح واحدا من نجوم كرة القدم.. وقد أثبت منذ التحاقة بالأكاديمة أن صفاته متعددة، فهو سريع بالفطرة، يستطيع أن ينطلق بقوة، كما يملك حدسا كبيرا يقوده للتموقع الجيد. وكان النصيري من بين حوالي 50 لاعبا تم قبولهم في أكاديمية محمد السادس تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاما. 
بدأ النصيري مشواره الكروي في سن 14 عاما، حيث خطا خطواته الأولى في الأكاديمية، لم يفوت الفرصة أبدا رغم تنافسه الشديد مع ميسويات أكبر من سنه فقد كانت الأكاديمىة تسعى لإعداد لاعبيها على أفضل وجه.
كان هم النصيري وقتها أن يحقق حلمين إثنين، الأول أن يفقز قفزة كبيرة بالإنضمام إلى فريق أوروبي، والثاني أن ينضم لصفوف المنتخب المغربي ويصبح واحدا من «الأسود». 

• تجربة تشيلسي
وأتيحت للنصيري سريعا فرصة القفز نحو البطولة الإنجيلزية عندما وجد اهتماما كبيرا من نادي تشيلسي الذي استدعاه إلى لندن في 2014.. لكن التجربة فشلت سريعا ولم يكتب لها النجاح بسبب ثلاثة عناصر، أساسية: البرد والثقافة واللغة.. وفي هذا الصدد يقول النصيري: «ذهبت إلى تشيلسي وقضيت هناك 3 أسابيع، لكنني عدت سريعا إلى المغرب.. كان الوضع صعبا للغاية في لندن لدرجة لم أستطع تحمله، لذلك عدت إلى الأكاديمية من جديد». 
عودة النصيري للأكاديمة قادما من لندن تركت انطباعين متباينين، واحد عند النصيري نفسه، والآخر عند المتابعين لخطواته.. أما انطباع النصيري فقد حفزته هذه التجربة ليبذل الكثير من الجهد ويعوضها بتجربة جديدة يكون خلالها أكثر نضجا وحماسا وقدرة على مواجهة كل الصعاب.. وأما انطباع الآخرين هو شكهم في قدرة النصيري على النجاح خارج المغرب بعدما اعتبروا أن عودته من تشيلسي تنم على فشل ذريع! لكن النصيري أثبت أنه كان قادرا على استثمار فرصة أخرى على أفضل وجه.

• مالقا أفضل
وتزامنت عودة النصيري للأكاديمية من جديد مع تواجد المدرب الإسباني تشافي بيرنال الذي أعجب به كثيرا وكان يدرب اللاعبين أقل من 19 سنة.. وعندما أراد مالقا التعاقد مع مهاجم ينذر بمستقبل جيد عمل بنصيحة بيرنال وضم إليه النصيري في عام 2015 مقابل 125 ألف أورو فقط.. خصوصا أن النصيري تألق في المباريات التي خاضها سواء بالأكاديمية بالرباط أو بإسبانيا ضد كل من ملقا وإشبيلية وألميريا. 
وفي ملقا وجد النصيري الظروف مختلفة تماما عما وجده في السابق عندما التحق بتشيلسي في لندن، يقول النصيري: «عندما ذهبت إلى ملقا أحسست بالفرق الكبير بين المغرب وأوروبا.. كان الموسم الأول صعبا بعض الشيء، لكن في الموسم الثاني شعرت بأنني أقدمت على خطوة كبيرة».. وتابع: « من الصعب دائما تحقيق الأحلام.. عليك أن تعمل بشكل صارم وأن تكون شخصا جادا وتربط علاقات زمالة بسرعة وأن تنسجم ما أمكن مع محيطك.. ليس من السهل تحقيق كل هذا». 
ولعب النصيري في موسم 2016/2015 لفريق أقل من 19 عاما في ملقا وفي الموسم الموالي لعب للفريق باء 10 مباريات سجل خلالها 9 أهداف، قبل أن يلعب في الموسم الذي تلاه للفريق الأول وشارك معه في 41 مباراة سجل خلالها 5أهداف.. ولم يطل المقام بالنصيري في مالقا، إذ التحق سريعا بفريق ليغانيس الذي اشترى عقده مقابل 6 ملايين أورو في غشت من عام 2018، ولمدة 5مواسم. 

• بداية التوهج
ولم يقدم النصيري الكثير خلال موسمه الأول مع ليغانيس بسبب الكثير من الإصابات التي لحقت به آنداك.. وأنهى الموسم بتسجيل هدف واحد في «الليغا» وهدفين إثنين في كأس الملك، وهو رقم ضعيف بالنسبة لمهاجم.. لكن مدرب ليغانيس آنداك صرح قائلا: «نحن نثق في يوسف، سيكون مهاجما كبيرا خلال المواسم القادمة في الليغا.. إنه يقدم بدائل مختلفة، لديه الموهبة ولديه المستقبل». 
وفي الموسم الموالي بدأ النصيري في التوهج وفي تسجيل الأهداف.. وكان يوم 10 فبراير 2019 يوما تاريخيا في حياته عندما سجل ثلاثية في مرمى ريال بتيس، وهي الثلاثية التي منحته لقب أفضل لاعب في «الليغا» لشهر فبراير إلى جانب كل من خايمي ماتا لاعب خيطافي وليونيل ميسي نجم برشلونة.. وخلال هذا الشهر ارتفعت قيمته المالية إلى 10 ملايين أورو. 
وفي غشت 2019 نصحت صحيفة «سوكر سول» البريطانية نادي ويست هام الإنجليزي بضرورة التحرك من أجل حسم صفقة النصيري قبل غلق فترة الانتقالات الصيفية.
وقالت «سوكر سول» إن مانويل بيلغريني مدرب ويست هام لن يجد أفضل من المهاجم المغربي آنداك بعدما رحل مهاجم الفريق ماركو أرنوتوفيتش إلى الصين، وخروج المهاجم الآخر أندي كارول أيضا. وأضافت أن ويست هام يتوفر على مهاجم جيد وهو الفرنسي سيباستيان هالر، لكنه حسب قولها يحتاج إلى مساندة قوية من مهاجم يعرف كيف يشعل منطقة دفاع الخصوم بقوته وصلابته وانطلاقاته وتحركاته ومناوراته وهي ميزات متوفرة في المهاجم النصيري. 

• القفزة الكبرى
ولم يكن مونشي المدير الرياضي في نادي إشبيلية يهدي أو يمزح عندما أوصى ناديه بالتعاقد مع يوسف النصيري في الميركاطو الشتوي يناير 2020، بالرغم من أن تكلفته المالية تساوي 20 مليون أورو.. فالرجل كانت عينه ثاقبة، وكان يعرف أن النصيري مهاجم من الطراز النادر وأنه يستطيع أن يلامس عنان السماء بأهدافه.. وهو الرأي الذي شاطره فيه المدرب جولين لوبيتيغي الذي احتفظ في ذاكرته جيدا بالفتى الذي زلزل الملعب ذات يوم تحت أقدام «الماتادور الإسباني» برأسية تاريخية أحدثت ألما كبيرا في كل إسبانيا.     
وقع النصيري عقده الجديد مع إشبيلية لمدة 5 مواسم، يوم 18 يناير 2020، يومان بعد ذلك خاض مباراته الأولى أمام ريال مدريد عندما دخل في الدقيقة 66 بدل زميله ومواطنه منير الحداد.. وفي أقل من شهر بعد ذلك سجل هدفه الأول مع الفريق الأندلسي وكان في مرمى سيلطا فيغو يوم 9 فبراير 2020، لتتوالى المباريات والأهداف بعد ذلك سواء في «الليغا» أو في أوروبا ليغ. وأنهى النصيري موسمه الذي بدأه في يناير بتوقيع 8 أهداف في الليغا (4 مع ليغانيس و4 مع إشبيلية) كما سجل هدفين في أوروبا ليغ.
وفي الموسم الحالي قفز النصيري فقوزة كبرى وبدأ يكتب فصولا جديدة لقصة تألقه مع إشبيلية.. وحتى الدورة 20 من منافسات «الليغا» سجل 12 هدفا اعتلى بها صدارة ترتيب الهدافين لينافس نجم برشلونة ليونيل ميسي وهداف أتلتيكو مدري لويس سواريز.. منها «هاتريك» مرتين.. إضافة إلى 4 أهداف أخرى في عصبة الأبطال.

• مطاردة الإنجليز
ولم يمر الميرطاكو الشتوي الحالي من دون أن تطرق العروض باب الفريق الأندلسي من أجل النصيري، حيث أبدى ويست هام الإنجليزي رغبته الأكيدة في ضمه إلى صفوفه وقد 33  مليو ن أورو، 28 مليون ثابتة و5 ملايين أخرى اعتمادا على أداء اللاعب داخل الملعب.. لكن إشبيلية رفض العرض وهو ما دفع بالفريق الإنجليزي إلى تأكيد استعداده ليرفع المبلغ إلى 30 مليون أورو ثابتة، لكن ظل الرفض هو الرفض خصوصا مع تشبت المدرب جولين لوبيتيغي بهدافه الأول نظرا للدور الكبير الذي يقوم به حاليا في خط هجوم إشبيلية الذي يلعب على ثلاث واجهات: «الليغا»، عصبة الأبطال وكأس الملك. 
وأكدت الصحيفة الإسبانية «ماركا» أنه من غير المنطقي عمليا أن يفكر إشبيلية في التفريط في مهاجمه الذي يعتبر حلاّل العقد في هذا الوقت بالذات الذي يصارع فيه الفريق الأندلسي على ثلاث واجهات، مهما كان العرض مغريا. 
وأضافت أنه حتى من الناحية المالية، ليس هذا هو الوقت المناسب لرحيل النصيري بالنسبة لإشبيلية لأن أرقامه في تصاعد.. إذ سجل في هذا الموسم حتى الآن 16 هدفا (12 في الليغا و4 في الأبطال).. ومع تعاقب المباريات سيضاعف أهدافه وسترتفع أسهمه أكثر.. لذلك إذا كان إشبيلية قد توصل في الوقت الحالي فعلا بـ30 مليون أورو، فإنه قد يتوصل بـ40 مليون على الأقل في الصيف.