• لماذا ظل لقب 1976 وحيد زمانه؟
• جيل 2004 كان قاب قوسين أو أدنى والأجيال المونديالية «جرحها ما بغا يبرا»
• هل تخيفنا أدغال «الكان» لهذا الحد؟
كلما دعتنا المناسبة، مناسبة خوض الفريق الوطني لنسخة من نسخ كأس إفريقيا للأمم، إلى أن نفتح سجل الذكريات لنطالع ما أودعه التاريخ في الذاكرة من لحظات فرح وحزن، إلا وكان ما يتدعى من الصفحات، حروف مدح وتفاخر وحروف ذم وتقديح، ولربما كان في الكتاب صفحات كثيرة من المواجع، وأخرى قليلة تحكي عن الملاحم.
ومع الإستعراض السريع لقرابة 50 عاما من الحضور المغربي في قلب المونديال الإفريقي، سنصطدم بحقيقة مرة وموجعة، وهي أن كرة القدم المغربية لم تحظ في كل النسخ التي حضرتها، بالحصاد البطولي الذي يجعل منها بالفعل ساعدا من السواعد الكبرى للحدث الكروي الأكبر في القارة الإفريقية.
ما تقوله الأرقام مجردة من كل التنميقات اللغوية، أن منتخبنا الوطني لا يشكل قوة نافذة في الكأس القارية، بل إن ما أنجزه الفريق الوطني حتى اليوم في كأس إفريقيا للأمم لا يضعه في خانة كبار القارة، وإليكم الدليل..
• في الثامنة بزغ القمر
إختلفت الأسباب والمسببات، لكن الحقيقة الصادمة لكل مستقرئ للتاريخ الكان، هي أن الفريق الوطني تأخر كثيرا في الحضور لنهائيات كأس إفريقيا للأمم، صحيح أنه تأخر في ركوب قطار التصفيات، لكنه أيضا واجه بعض العوارض في طريقه لهذه النهائيات، ولا عجب إن وجدناه يتأهل لأول مرة في تاريخه لنهائيات كأس العالم بالمكسيك سنة 1970، وبعدها بسنتين سيتواجد لأول مرة في نهائيات كأس إفريقيا للأمم، في النسخة الثامنة تحديدا.
بالكامرون، التي تستعد اليوم لاستضافة النسخة 33 لكأس إفريقيا للأمم، النسخة التي ولدت من رحم اللعنة والمعاناة، كان الحضور الأول لأسود الأطلس في نهائيات كأس إفريقيا للأمم، حضور ما كان ليوازي الصورة الجميلة التي انطبعت في ذاكرة الأفارقة والعالم، والمنتخب المغربي ينجز مونديالا مشرفا، ذلك أن الأسود سيجبرون في مبارياتهم الثلاث على نتيجة التعادل بذات الحصة أمام منتخبات، الكونغو، السودان والزايير (سابقا)، ليكون ذلك عنوانا لخروجهم من الدور الأول.
• في الثانية سمع للأسود زئير
ومع الإقصاء أو بالأحرى الخروج الطوعي من تصفيات نسخة 1974، على خلفية المهزلة التي رافقت تصفيات كأس العالم لذات السنة، سيحيل الفريق الوطني كل تركيزه على نسخة 1976 التي استضافتها أثيوبيا.
وكانت هناك الكثير من المؤشرات التقنية والذهنية والتكتيكية، الدالة على أن المنتخب المغربي لن يصعد قمم أديس أبابا لينزل منها سريعا، ولكن ليغرس في تلك القمم راية تدل على إبداع خالد، إبداع فريد، بل إبداع لا ثاني له.
بعارضة تقنية يشرف عليها الروماني جورج مارداريسكو، وبناخب وطني، نابغة زمانه الراحل الكولونيل المهدي بلمجدوب، وبجيل من اللاعبين ذوي المهارات العالية، يقودهم الأسطورة أحمد فرس، سيتمكن المنتخب المغربي من إنجاز ما سيخلده في التاريخ، فقد تمكن في ثاني نهائيات له من التتويج باللقب الإفريقي، بعد رحلة ماراطونية قادته من ديرداوا لأديس أبابا، وتخطى خلالها أسودا شرسة ونسورا جارحة وصقورا باطشة.
• كأس نسيناها في قمم أثيوبيا
ساد الإعتقاد، أن ما تحقق للمنتخب الوطني بأثيوبيا وهو يعلن بطلا لدورة تكاد تكون إستثنائية في مردودها التقني وفي حجم الإثارة، سيجعله على رأس القارة لسنوات طوال، بل إن أشد المتشائمين ما كان ليقول وقتها أن هذا المنتخب المغربي الذي ارتفعت له الرايات في إثيوبيا، لن يقدر على تحريك مجرد السواكن فيما تلا ذلك من نسخ، ألا يقدر لمدة 46 سنة على تكرار الإنجاز ذاته، ليظل لقب إثيوبيا وحيد قرنه وحتى زمانه..
بالطبع اختلفت السياقات واختلفت الإكراهات والملابسات، لكن الثابت الأوحد كان هو فشل الفريق الوطني في تكرار الإنجاز التاريخي، فإن لم يكن ذلك بسبب ظروف طارئة أو لغياب جيل قادر على ركوب صهوة التحدي، كان ذاك الفشل المضني، بسبب أننا نفتقد للقدرة على السفر في المسابقات الإفريقية، وبسبب أننا كنا نضع التأهل لكأس العالم كأولوية، ومن أجل ذلك فقط يمكن أن نضحي بما سواه.
وقبل أن يحيرنا نحن أهله وعشيرته بهذا الجفاء الذي قابل به كأس إفريقيا للأمم، فإن الفريق الوطني أصاب بالدهشة والذهول خبراء كرة القدم الإفريقية، وكان لهم كل الحق في أن يستغربوا مرور أجيال ذهبية بمحاذاة التتويج باللقب، على غرار جيل 1986 الذي أبهر العالم في مونديال المكسيك، لكنه عجز عن التتويج بلقب كان 1988 الذي أجري بالمغرب، وجيل 1998 الذي ترك صورة جميلة عنه في مونديال فرنسا، وفي السنة ذاتها ودع كأس أمم إفريقيا ببوركينا فاسو مكن الدور ربع النهائي بخسارته من جنوب إفريقيا.
• 4 عقود من الخيبات والإنكسارات
ولا تصدمنا ضحالة محصول الفريق الوطني في نهائيات الكان، لمجرد أنه لم يتوج باللقب سوى مرة واحدة سنة 1976 بأثيوبيا، بل إنها تتعداها لأكثر من ذلك، عندما نجد أنه خلال النسخ 17 التي تواجد الفريق الوطني في نهائياتها، لم يصل الفريق الوطني للنهائي سوى مرتين (1976 – 2004)، بالنظر إلى أنه حل وصيفا لبطل النسخة التي نظمتها تونس وفازت بلقبها، كما أنه لم يبلغ المربع الذهبي للكان سوى 5 مرات، وهذا ما يؤكد ما ذهبت إليه من قبل، من أن الفريق الوطني لا يحمل أولا ثقافة الفوز باللقب الإفريقي، برغم ما أظهرته أجيال بعينها من طموح ورغبة في كسر العناد، على غرار ما حصل مع الجيل الذي قاده القيصر نور الدين نيبت بدورة 2004 بتونس، وأنه ثانيا لا يجيد السفر في أدغال الكان بأحراشها وتضاريسها الوعرة، بدليل الإنتكاسات الكثيرة التي حدثت في دورات بعينها، دورة غانا سنة 1978 والتي شهدت سقوطا مريعا لبطل النسخة السابقة، إثر خسارة مدوية أمام أوغندا بثلاثية نظيفة، ودورة 2019 بمصر والتي شهدت إقصاءا مريعا للأسود من الدور ثمن النهائي أمام سناجب البنين بعد تصدر لمجموعة قوية بالعلامة الكاملة، حتى لا أذكر إلا هاتين الدورتين.
• هل نكسر جدار الفزع؟
طبعا، لا شيء على الإطلاق يقول بأننا يجب أن نركن لهذه الأرقام المخيفة، في تقييم حظوظ المنتخب الوطني في المشاركة رقم 18 له في نهائيات الكان، أو أن نقع تحت سطوة بؤسها، لنقول ألا رجاء يمكن أن يعقد على فريقنا الوطني، وهو يعود للكاميرون التي منها انطلقت أولى مشاركاته، فالكرة المغربية بحاجة فقط إلى ما يردم هوة الفزع ويسقط جدار الخوف من المجهول أو حتى من الفشل الذي يسيطر علينا كلما خطا فريقنا الوطني نحو نهائيات الكان.
هو دائما ذات التمني نحمله بين الضلوع، أن تختلف الصورة وأن يختلف المآل، وأن يؤسس الفريق الوطني لمرحلة جديدة في تعامله مع الكان، أن يدخلها ولو لمرة ليحقق حدس الخبراء وانتظارات الملايين من المغاربة، بالقبض على اللقب الثاني، حتى لا يبقى لقب أثيوبيا 1976 وحيد زمانه.