«مونديال قطر 2022، مستحيل أن يكون من دون جمهورية الكونغو»، ذاك هو الشعار الذي أضفته وزارة الرياضة والترفيه الكونغولية، على حملة إعلامية أطلقتها لحشد الدعم لفهودها، وقد أصبحوا على بعد خطوة من كأس العالم.
كثير من الرسائل تضمنتها هذه الحملة الدعائية، أولها أن كأس العالم بقطر ستتجمل لا محالة بتواجد فهود الكونغو بين كل المتبارين فيها على مراتب الشرف، وثانيها أن بمقدور الكونغوليين أن يتفاءلوا بقدرتهم على كتابة صفحة ثانية لهم في تاريخ المونديال، ما دام أن الحاجز الأخير الذي يقف بينهم وبين مونديال قطر، أسود الأطلس.
فمن أين يا ترى يستمد فهود الكونغو هذه الثقة في بلوغ مونديال قطر؟ ومن أين يأتيهم هذا التفاؤل وقد بات أسود الأطلس هم خصمهم في مواجهة العبور الأخير؟
من حق الكونغوليين أن يحلموا بالوصول للمونديال لثاني مرة، بعد أن مرت 48سنة كاملة على ظهورهم الأول على المسرح العالمي، فقد باتوا قاب قوسين أو أدني من تحقيق الحلم، وهم أيضا يملكون جيلا من اللاعبين المهرة بإمكانهم مقارعة أسود الأطلس في آخر الأشواط الإقصائية، إلا أن تفاؤلهم بوجود منتخب المغرب في آخر الفواصل التصفوية، قصة تستحق أن تروى.
يجب العودة لسنة 1973، ليدلنا الشوط الإقصائي الأخير الذي سيمنح البطاقة الإفريقية الوحيدة المؤهلة لكأس العالم بألمانيا 1974، على صراع ثلاثي بين المغرب الساعي لحضور المونديال الثاني له تواليا بعد الأول له سنة 1970بالمكسيك والرائير وقتذاك (جمهورية الكونغو حاليا) وزامبيا.
بين الثلاثة أقيمت بطولة من 6 مباريات، إلا أن مجزوة تحكيمية ستحدث عند مواجهة منتخب المغرب للزائير بكينشاسا، سيكون بالطبع ضحيتها منتخب المغرب، الذي سيخسر المباراة بثلاثية نظيفة، بسبب خشونة مفرطة وتواطؤ رهيب من حكم المباراة الغاني ماجور لامبتي، وسيرفع المغرب صوت الإحتجاج عاليا بسبب ما شاب تلك المباراة من تعد صارخ على قوانين اللعبة، إذ طالب بمحاكمة فورية للمتورطين فيها، لكنه كان كمن يطلق صرخة في واد، إذا لم تجرؤ الكاف على فتح تحقيق في الفضيحة التي لا تؤرخها حتى الآن ولا صورة، فكان أن قرر المغرب الإنسحاب من مباراة العودة على أرضه، احتجاجا على السكوت المريب للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، ليس هذا فقط، بل إن المغرب سيقرر الإنسحاب من كأس أمم أفريقيا التي نظمت سنة 1974 بكوت ديفوار.
مكن انسحاب أسود الأطلس إذا، فهود الزائير من تحقيق حلمهم بأن كانوا ثالث منتخب إفريقي يتواجد في المونديال، بعد مصر سنة 1934 وبعد المغرب الذي تركت مشاركته في مونديال المكسيك 1970 صدى طيبا، لقاء ما بذله من جهد مقدر عند مواجهته لألمانيا، بيرو وبلغاريا.
ولأن فهود الزائير وصلوا إلى مونديال ألمانيا سنة 1974، من دون براءة الإبداع أو حتى قوة الإقناع، فإنهم سيصيبون الأفارقة بصدمة كبيرة، ومشاركتهم تجلب العار لكرة القدم الإفريقية، بل إنها عاتت فسادا في الإرث الجميل الذي تركه أسود الأطلس قبل أربع سنوات بمعقل حضارة الأزتيك.
في مبارياتهم الثلاث سيمنى فهود الزائير بثلاث هزائم مدوية، خسارة بهدفين أمام اسكتلندا، فأخرى مدوية وكارثية بتسعة أهداف من يوغوسلافيا (سابقا)، فخسارة ثالثة بثلاثية أمام البرازيل، ليعود الفهود إلى الديار منكسين رؤوسهم، وليجدوا في الإنتظار عقوبات رياضية رادعة استصدرها إمبراطروهم الراحل موبوتو سيسيكو، منها منع أي لاعب من الإحتراف أوروبيا، ومنها أيضا معاقبة المتمردين بالإقصاء النهائي.
اليوم وبعد مرور كل هذه السنوات، وقد نجح خلالها أسود الأطلس في اعتلاء منصة الكونية أربع مرات، يقف المنتخبان المغربي والكونغولي في خط المواجهة الحاسمة، فاصل الذهاب سيجرى بملعب الشهداء بكينشاسا يوم الجمعة 25مارس الحالي، وفاصل الإياب سيجرى بملعب النار بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء يوم الثلاثاء 29 مارس، ولا قياس بين ما كان سنة 1973 وما سيكون اليوم، مع وجود ضوابط رياضية وتحكيمية وحتى أخلاقية تحول دون تكرار تلك المشاهد المؤسفة التي لطالما غطت سماء إفريقيا، فحجبت عن العالم، ضوء كثير من الأقمار..
حتما إن لم تكن اليوم لفهود الكونغو جرأة وجسارة لمواجهة أسود المغرب بالإحتكام لقواعد اللعب النظيف، فإن حلمها في التواجد لثاني مرة بكأس العالم سيتأجل لا محالة إلى ما بعد قطر 2022.