تمثل إصابة الرباط الصليبي كابوسا مزعجا لأي رياضي ، لما تخلفه من تداعيات جسدية ونفسية، تستدعي تدخلا جراحيا، وبرنامج تأهيلي طويل ومكثف وممنهج، كما أن أثرها النفسي لا يقل وطأة، لما يرافقها من اضطرابات نفسية تترك ندوبا غير مرئية في مشواره الرياضي.

و بالرغم من أن الرنين المغناطيسي يشخص إصابة الرباط الصليبي من الناحية العلمية، إلا أن ما لا تلتقطه صور الأشعة في معادلة التعافي، هو حجم اليأس حيث يجد الرياضي نفسه في مواجهة فجائية مع العجز، والغياب القسري، وهاجس العودة السليمة والمجهولة.

وبالنسبة للرياضي المحترف، قد تعني الإصابة خسارة موسم كامل، أو حتى تهديدا لمشواره الرياضي، كما حصل في العديد من الحالات المماثلة، ولعل إصابة داني كارفخال (ريال مدريد)، و مارك بيرنار (برشلونة)،ورودري نجم مانشستر سيتي ،أمثلة من بين أخرى تعكس مدى خطورة هذه الإصابة، التي لا تعير أي اهتمام لعامل السن ولا بمستوى الخبرة، ولا بفتوة الجسد.

كما أن إصابة الرباط الصليبي هي إحدى أكثر الإصابات شيوعا وخطورة في مجال الطب الرياضي، لاسيما بين ممارسي الرياضات التي تتطلب حركات مفاجئة وسريعة، على غرار كرة القدم وكرة السلة.

وفي هذا الصدد، أوضح اختصاصي جراحة العظام والمفاصل والطب الرياضي، الدكتور أحمد بوهوش، أن الركبة تعتمد بشكل كبير على رباطين رئيسيين هما الرباط الصليبي الأمامي (ACL) والرباط الصليبي الخلفي (PCL)، واللذان يتقاطعان داخل مفصل الركبة بشكل يشبه الصليب ، ومن هنا جاءت تسميتهما بـ"الصليبيين".

وأضاف السيد بوهوش في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الرباط الصليبي الأمامي يمنع عظمة الساق (القصبة) من الانزلاق للأمام تحت عظمة الفخذ، بينما يمنع الرباط الخلفي حركتها للخلف، مما يجعل كليهما ضروريين للحفاظ على استقرار الركبة، خاصة أثناء الحركات المفاجئة أو الالتفافات السريعة.

وقال إن تمزق الرباط الصليبي الأمامي أكثر إعاقة للحركة، وغالبا ما يحدث بشكل مفاجئ، ويترافق مع سماع صوت "فرقعة"، وانتفاخ سريع، وشعور بعدم الثبات، أما تمزق الرباط الخلفي، فهو أقل شيوعا، وعادة ما ينتج عن صدمة مباشرة على الساق، كحوادث السيارات.

وأشار إلى أن تمزق الرباط الصليبي الأمامي يعد من الإصابات الشائعة في الرياضات التي تتطلب حركات ديناميكية سريعة مثل كرة القدم وكرة السلة والتزلج، وغالبا ما يحدث نتيجة القفز والهبوط الخاطئ، أو تغيير الاتجاه بشكل مفاجئ، أو التوقف السريع أثناء الجري.

وبخصوص تزايد عدد الحالات في السنوات الأخيرة، أبرز بوهوش أن ذلك يعود لعدة عوامل، من بينها التدريبات المكثفة والمبكرة منذ سن صغيرة، والإرهاق العضلي الناتج عن قلة فترات الاستشفاء. كما عزا ذلك الى مساهمة الملاعب الاصطناعية، التي تغير طبيعة الحركة على الأرض، في رفع معدلات الإصابة، بالإضافة إلى ضعف الإعداد العضلي وغياب التوازن العصبي العضلي.

وأكد أن تأثير تمزق الرباط الصليبي لا يقتصر على الحركة والقدرة البدنية فحسب، بل يمتد إلى تداعيات نفسية عميقة قد تستمر حتى بعد اكتمال العلاج الجسدي.

وفي هذا السياق، أوضح أن "الخوف من تكرار الإصابة، وفقدان الثقة بالجسم، والشعور بالإحباط... كلها مشاعر شائعة بين الرياضيين، الذين غالبا ما يشبهون هذه الفترة ب"فترة حداد نفسية".

وشدد بوهوش على أن الدعم النفسي أصبح جزء أساسيا من برامج التأهيل الحديثة، مشيرا إلى أن التعافي الحقيقي يتطلب شفاء جسديا وذهنيا في آن واحد.

وبعد التشخيص، تبدأ رحلة العلاج، فبالنسبة للرياضيين أو الأشخاص النشطين، فإن الركبة غير المستقرة قد تتسبب في مشاكل إضافية مثل تمزق الغضاريف أو تآكل المفصل، مما يجعل التدخل الجراحي غالبا الخيار الأمثل.

وتوقف الاختصاصي عند آخر التطورات الحديثة في مجال العلاج، مشيرا إلى تقنيات واعدة مثل "الدعامة الداخلية" (Internal Brace)، واستخدام البلازما الغنية بالصفائح الدموية (PRP) لتسريع عملية الشفاء وتعزيز ترميم الرباط، موضحا أنها ما تزال في طور التجربة لكنها تبشر بنتائج واعدة.

وبعد إجراء عملية إعادة بناء الرباط الصليبي، يحتاج المريض عادة إلى فترة تتراوح بين 9 و12 شهرا للعودة الكاملة إلى ممارسة الرياضة.

وخلص إلى أنه بالرغم من أن التأهيل يبدأ بعد أيام قليلة من الجراحة، إلا أن التسرع في العودة قد يشكل خطرا كبيرا، مؤكدا في هذا السياق أن العودة الآمنة إلى الملاعب تعتمد على معايير دقيقة، أبرزها قوة العضلات، التوازن، والسيطرة الحركية الكاملة.