في تفكير وعقل وفلسفة اشتغال وليد الركراكي، هناك خيط ناظم، لا يمكن أبدا أن يتلاشى لا بضغط الشارع ولا بغزوات مواقع التواصل الإجتماعي، لذلك ما اختلفنا كثيرا عند وضع التشكيل المتوقع لمباراة المغرب والنيجر التي افتتحت المجمع الأميري، أيقونة وتحفة ومفخرة لمغرب التحولات الكبرى، فما هو قائم على الإقتناع أكثر منه على الإجماع، أن لوليد الركراكي ثوابت لا يمكن أن يحيد عنها، إلا تحت الإكراه، وتلك الثوابت الفكرية والبشرية أصبحت محفوظة لدينا عن ظهر قلب.
جاء تشكيل الأسود في شكله ومحتواه هجومي الطبعة، فقد كان متوقعا أن يحتكم الزاكي لمنطق العقل، فلا يرمي بغزلانه في غاب الأسود لتفتك بها، لذلك طبق نفس نهج مباراة الذهاب شهر مارس الماضي، وأرانا خلالها كل صنوف المعاناة، اللعب بكتلة منخفضة، بخطين متراصين ومتماسكين، وفي ذلك قال للأسود أظهروا براعتكم في اختراق الجدار الدفاعي السميك.
ما كان الزاكي ليضع في الحسبان، أن فريقه وهو ينهي دقائق الإحتراق بلهيب الضغط، سيفقد لاعبا في نهاية الثلث الأول من زمن المباراة بسبب الإفراط في الخشونة، وتصبح مهمة تلجيم لا ترويض أسود الأطلس من سابع المستحيلات.
ومن دون حاجة لأن نتصور، كيف سيكون شكل المباراة لو واصل النيجر اللعب مكتمل الصفوف، فإن الإختبار الكبير لوليد وأسوده، كان كالتالي: كيف سيكون التعامل إذا مع خصم خسر لاعبا في منتصف الطريق؟
لم يكن من البداهة يوما في عرف كرة القدم، أن الزيادة العددية تمنح الفوز بالضرورة، بعد أن تمنح الإستحواذ والهيمنة، لذلك كان على الفريق الوطني أن يخرج الأسلحة الهجومية التي تساعده على هدم الجدار الدفاعي المنتصب، وسينجح في ذلك بأحد هذه الأسلحة الفتاكة، الإختراق من أروقة تشتعل بنار المناورة، والدليل أعطتنا إياه الأهداف الثلاثة الأولى من خماسية التأهل للمونديال، اسماعيل صيباري قاهر النيجر بالتخصص في مناسبتين وأيوب الكعبي في مناسبة واحدة سجلا من إمدادات جانبية لرجلي الرواقين الأيسر والأيمن حكيمي وبلعمري.
كانت الأهداف الثلاثة التي وقعها الأسود في الخمسين دقيقة الأولى، إعلانا عن انهيار كامل لخطط الزاكي وعن تحلل كبير للخرسانة الدفاعية، وهو ما سمح للفريق الوطني بأن يجعل من المباراة نزهة حقيقية، فيها كثير من الإستعراض، وكثير مما لا يجب أن نأخذ به، معيارا للقول باكتمال بنية الفريق الوطني.
صحيح أن مباراة النيجر، أظهرت كثيرا من دلائل النبوغ في هذا الفريق الذي يتفرد في مسرح التصفيات بتحقيقه لتأهل مبكر للمونديال، وبتحقيقه دون سواه للعلامة الكاملة وعلى الخصوص بنجاعته التهديفية (19 هدفا في 6 مباريات)، إلا أن المشي بثبات نحو الإستحقاق الإفريقي المرتقب، يحتاج إلى عمل مضاعف لترسيخ صورة الفريق الذي يليق به أن يكون بطلا فعليا لقارته.