• علامات النبوغ في «التجربة المغربية» المُلهِمة
ما أشبه اليوم بالبارحة.
كان يوم الثلاثاء 20 دجنبر من العام 2022، شاهدا على شموخ وعراقة المغرب، ومنتخبنا الوطني لكرة القدم، وقد دون للتاريخ ملحمة رائعة تمثلت في بلوغه نصف نهائي كأس العالم 2022 بقطر، كأول منتخب عربي وإفريقي، يحدث انقلابا نوعيا في هرمية كرة القدم العالمية، يحظى باستقبال ملكي وشعبي وجماهيري، تناقل العالم من أقصاه إلى أقصاه صوره الفخمة والباذخة، في تعبيرات كثيرة، قاسمها المشترك، أن المغرب ملكا وشعبا يثمن عاليا الإبداع، ويكرم بأجمل صورة الإنجاز الذي يرفع من قيمة وشأن الوطن.
وكان من علامات التفرد، في احتفاء المملكة الشريفة بأبطالها، أن جلالة الملك وهو يستقبل أسود الأطلس ويوشح صدورهم بأوسمة الفخر والعرفان، كرم أمهات اللاعبين، عرفانا بالمكانة الرفيعة للأم في تنشئة ورعاية أبطال الوطن، وتثمينا للأدوار التربوية للأمهات اللائي هن مدرسة لإعداد شعب طيب الأعراق.
ويوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025، تجدد التكريم الملكي والإحتفاء الشعبي والعناق الجماهيري، بالإستقبال الفخم الذي وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بتخصيصه للمنتخب المغربي للشباب المتوج بطلا للعالم في النسخة الرابعة والعشرين لمونديال أقل من 20 سنة، وكان منطلقه طبعا حفل الإستقبال الذي خصصه ولي العهد الأمير مولاي الحسن للأشبال الأبطال.
إن هذا الإحتفاء الملكي والشعبي، بالإنجاز التاريخي لأشبال الأطلس، هو في حقيقة الأمر، مع كل تجلياته المبهرة وحمولاته الوطنية، مُنتهى ملحمة كروية موصولة الفقرات، أساسها رؤية ملكية متبصرة وقوامها إستراتيجية تم تنزيلها بفكر مغربي، ومنطوقها الجميل السعادة التي نشرتها في ربوع الوطن، والإعجاب الذي حظيت به في كل بقاع العالم.
إرتكزت الرؤية الملكية المتبصرة والمستنيرة، على اقتناع راسخ في فكر جلالة الملك، من أن الرياضة وكرة القدم على الوجه القبلي، هي رافعة من رافعات التنمية الشاملة والمستدامة وحاضنة للأحلام، وعلى الخصوص منصة خادمة للمصالح الكبرى للوطن، وهو ذات الإقتناع الذي ترسخ لدى جلالة الملك من أن شباب المغرب، متى مُنِح الإمكانيات اللوجيستية على الخصوص، ومتى توفر له مناخ العمل الجيد، متى أبدع وتألق وسما في علياء المجد، وبه يخدم نفسه ووطنه.
ومن هذه الرؤية الملكية التي عرضت لملامحها الكبرى وأبعادها التنموية، الرسالة الملكية الموجهة للمناظرة الوطنية حول الرياضة بالصخيرات سنة 2008، إنبثقت إستراتيجية واقعية ومتطابقة، قائمة بذاتها، جعل منها جلالة الملك ورشا وطنيا، فقدم لتنزيلها بالشكل الصحيح كل ضمانات النجاح، بالمساهمة الفعلية في إرساء أكبر دعامتين، دعامة البنى التحية على تنوعها واختلافها، ودعامة الموارد المالية الضامنة لتسريع وثيرة الإشتغال.
ونجحت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بخاصة مع وصول السيد فوزي لقجع للرئاسة، في التنزيل الصحيح لهذه الإستراتيجية الخلاقة، فتعددت الأوراش، الساعية بالأساس لضمان الإشتغال الفعال لكثير من المفاصل، بهدف تحقيق جودة عالية في حكامة التدبير، فتم استكمال العمل بمركب محمد السادس لكرة القدم، ليصبح حاضنا لكل النخب الوطنية، وقد غدا صرحا رياضيا من أجمل الصروح العالمية.
ومن بعده أعيد بناء الإدارة التقنية الوطنية على أساسات جديدة روعي فيه كل ما هو حديث في مجالات التكوين بمختلف مفاصله، فغدت بيتا لعائلة كرة القدم الوطنية بكل ما يحمله البيت المغربي من تفرد وتميز دال على العراقة، وأصبحت المنتخبات الوطنية في كل الأصناف وفي كل الفئات العمرية، مدارة على نفس الدرجة من الإحترافية والعلمية أيضا، فما استعصى عليها دخول بطولات العالم، ليس بهاجس المشاركة المشرفة، ولكن بدافع تحقيق الأبطال، وهو ما أثمر تتويج منتخب الشباب بكأس العالم، كأرقى تتويج تحظى به كرة القدم المغربية دوليا.
وفتحت الجامعة بالموازاة مع ذلك ورش هيكلة الأندية الوطنية بهدف تطوير المشروع الإحترافي، فأثمر ذلك نهاية وجع كبير، تمثل في التصدع الكبير الذي كانت تشكو منه القواعد الإقتصادية للأندية، فأقبلت الأندية الوطنية على المنافسات القارية تسابق الأندية الأخرى على ألقابها.
ولأن الرسالة الملكية جعلت من كرة القدم أداة لتفعيل القوة الناعمة، فقد أوصت بضرورة أن يتبوأ المغاربة مراتب ومناصب رفيعة في المؤسسات الرياضية العالمية والإفريقية، تثمينا للأدوار التي يمكن أن تلعبها كرة القدم خدمة للديبلوماسية الموازية.
ما كانت كل هذه السعادة التي نشرتها كرة القدم في ربوع الوطن، وهي تحقق الألقاب وتنال شهادات الإعجاب، إلا ثمرة لرؤية ملكية متقدمة جدا في حدودها وتفردها، بها استطاع قطار كرة القدم أن يتحرك بسرعة مذهلة ليصل إلى محطات التتويج والفرح.
إضافة تعليق جديد