هل كان من العدل أن نغلظ على امحمد فاخر ونفجر بكل السفاهات على المنتخب المحلي ونرمى الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بالقذائف المحظورة أخلاقيا وإعلاميا، لمجرد أن منتخبنا المحلي غادر «الشان» من دوره الأول؟
لا أقصد أن أحجم كارثة الخروج الصاغر من الدور الأول لبطولة يفترض أنها كانت كشفا لحقيقة كرة القدم الوطنية في فضائها القاري، ولا أقصد أن نغلق ملف «الشان» من دون أن نسائل النفس وننتقد السياسة التقنية التي قامت عليها المشاركة في بطولة إفريقيا للاعبين المحليين ونضع على طاولة التشريح جسد الكرة المغربية المنهوك بكثرة السقطات والمثقوب بما وجه له من سهام الإقصاءات.
أبدا، لست ممن يشجعون تحت أي مسمى الهروب إلى الأمام والعمل بالمأثور من المقولات «كم من حاجة قضيناها بتركها»، فما حدث مع المنتخب المحلي برواندا لا بد وأن يحضر بقوة في كل مختبرات التحليل التقني وفي صلب النقاش العمومي وفي ثنايا كل حوارات الجامعة والأندية والإعلام، الحضور الموضوعي والنزيه، المشبع بثقافة المواطنة وبأصول النقد البناء.
هالني ما سمعت وما قرأت مصرحا به أو مكتوبا عند افتحاص الأداء الذي قدمه المنتخب المحلي في مبارياته الثلاث والذي كان من العدل أن يستدل من خلاله على بوابة الخروج بفعل ما كان من أخطاء في المقاصد ومن تجاوزات في رسم الأهداف ومن إختلالات في الإختيارات البشرية وفي بنية اللعب، فوسط قلة قليلة من الإفتحاصات الموضوعية والبناءة، كانت هناك للأسف كثرة سفهت الواقع ووقحت النقد وأصرت على استبلاد المتلقي وهو الحزين لما شاهد والمنزعج من طوق الإخفاق الذي يمسك برقبة كرة القدم الوطنية منذ فترة من الزمن ولا يريد عنها فراقا.
بدا لي وكأنني أمام محللين برأسين الواحد منهما لا يشبه الآخر، وأمام خطابين واحد جاهز للإحتفال وكثيره يقوم على النفاق لتلميع الصورة وآخر مجهز سلفا عند اشتداد الأزمة وفيه الكثير من السفاهات والضرب تحت الحزام والظهور في أعين الناس المجروحين بصورة البطل والغيور على البلد.
صدمني فعلا أن أستمع لمن تم حشدهم في استديوهات كثيرة وقد أعطيتهم صفة المحللين، وهم يتغنون قبل بداية «الشان» بامحمد فاخر الجنرال، العارف بخبايا وتضاريس كرة القدم الوطنية والمتمكن من كل أدوات النجاح، قبل أن ينقلبوا عليه مع خروج المنتخب المحلي من الدور الأول لبطولة «الشان» ويجردوه بلا وجه حق من كل الصفات التي وصفوه بها قبلا، ويغلظوا عليه إلى الدرجة التي تجعله مسؤولا عن كل الإقصاءات والخيبات التي ضربت الكرة المغربية، أندية ومنتخبات في العقد الأخير.
شخصيا لا نية لي بأن أقيم مرافعة عن امحمد فاخر، فأنا لم أجرده من أي شيء مما يستحقه بحكم رصيده المهني الغني، ولا نية لي أن أشغل مساحة هذه الزاوية بالكامل للتعرية عن أولئك الذين ساهموا ويساهمون في تعويم الرأي العام وتضليله بإنتاج خطابات تقنية ركيكة لا عمق ولا سند علمي لها وبإعطاء دروس هم أحق بها من غيرهم، فما نحتاجه في هذه اللحظة بالذات بعد أن تزول عنا آثار الخيبة والحزن من المحصلة السلبية لمنتخبنا المحلي في الرهان الإفريقي، هو أن نقرأ الإخفاق باعتماد كل الأدوات النقدية والتقنية التي تتيح معرفة حقيقة هذا الذي جرى وتسمية الأخطاء بمسمياتها والوقوف بكامل النزاهة عند المسؤوليات الفردية منها والمشتركة، لكي لا نواصل ما مارسناه من قبل على وضعيات فشل سابقة من عدمية في التحليل ومن تحايل على المسببات ومن تجميل للتشوهات التقنية، وما يورث من فظاعات لا تنقطع.
لنكن جازمين في القول بأن ما حصل للمنتخب المحلي برواندا لم يكن عطلا مفاجئا ولا سقوطا عرضيا ولا فشلا مؤقتا، بل إنه إنعكاس حقيقي لما هي عليه كرة القدم الوطنية في محيطها القاري من تأخر نوعي، قد تكون الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم قد أخطأت في وضع إستراتيجيتها من المشاركة في مسابقة «الشان» سواء في تركيبة هذا المنتخب أو في تحديد علاقة التبعية التي يجب أن تربطه بالمنتخب الأول، وقد يكون الناخب والمدرب امحمد فاخر قد أخطأ في الإختيارات البشرية وفي نوعية التدبير التكتيكي الذي إختاره تحديدا لمباراتي الغابون وكوت ديفوار، إلا أنه لا بد من الإعتراف أن البطولة الوطنية برغم أنها تمضي سنتها الخامسة تحت كنف الإحتراف متقدمة هيكليا وتنظيميا على السواد الأعظم للبطولات الوطنية بإفريقيا، إلا أنها تشكو من تأخر كبير على مستوى التكوين العلمي القاعدي الذي يكون بمقدوره وضع الموهبة الفنية للاعب المغربي في القالب البدني والتكتيكي الذي يسمح بربح النزالات الإفريقية بكل خصوصياتها، والمنتخب المحلي لم يكشف في حقيقة الأمر إلا ذات العجز الذي تكشف عنه الأندية الوطنية في عصبة الأبطال الإفريقية وفي كأس الإتحاد الإفريقي، إذ تظل القاعدة هي الخروج المتواتر من الأدوار الأولى.
وقبل أن نسائل فاخر عن السر وراء الثقة المفرطة التي استشعرها من فريق قال بعظمة لسانه أنه لم يشاهده يتبارى أمام عينيه منذ جولة إياب التصفيات بتونس من خلال المباراتين أمام ثوار ليبيا ونسور قرطاج، واللذين كانا سببا في التغليط، قبل أن نسأله عن الجن الذي ركبه فعاكس كثيرا من مقومات فلسفته التقنية حتى وإن كان هناك من يرى مبالغته في الحذر كما حدث في مباراة الغابون التي كان بمقدور المنتخب المحلي أن يفوز فيها بنتيجة عريضة، لا بد وأن نسائل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عن الإختيارات الإستراتيجية وعن المحددات التقنية للمشاركة في بطولة «الشان»، فلو كان هناك من سيجيب بأن هذه المحددات الكبرى تركت للمدرب فاخر حتى لا يقال أن هناك تدخلا سافرا في اختصاصاته، فسأرد على وجه السرعة، أن هذا عذر أقبح بكثير من الزلة، فالمنتخب المحلي يأتي من حيث التراتبية في المستوى الثاني بعد المنتخب الأول، أي أن هذا المنتخب لا بد وأن يكون بالكامل تابعا لمنهجية عمل الناخب الوطني، فإن لم نربح من مشاركته في «الشان» لقبا فإننا سنربح لاعبين محليين نالوا ما يكفي من الخبرة لمواجهة الإكراهات المناخية وتعرفوا بما يكفي على وعورة تضاريس الكرة الإفريقية.
مؤسف أن تكون الجامعة الحالية قد أخرجت بطولة «الشان» من فلسفتها التي قامت عليها، وأن تكون قد تصرفت بشكل مناقض للشكل الذي تعامل به أغلب المنتخبات التي تحضر اليوم نهائيات «الشان» برواندا هذه البطولة، عندما حضرت بمنتخبات تتكون من لاعبين بمتوسط أعمار لا يزيد عن 23 سنة بينما كان منتخبنا نحن باسم المنافسة على اللقب وباسم الخبرة التي لا توجد إلا في خيالات البعض، يزيد متوسط أعمار لاعبيه عن 28 سنة.
إن مشروع «»الشان هو مشروع الجامعة ومشروع الإدارة التقنية الوطنية بالأساس، وإذا ما خالفنا الكثيرين وانتدبنا لهذا المنتخب المحلي مدربا غير مدرب المنتخب الأول، فإنه لا تعذر لا الجامعة ولا الإدارة التقنية بأن لا يكون هذا المدرب الذي إنتدبته للمنتخب المحلي خاضعا لتوجهات الجامعة من أجل إنجاز مشروعها هي وليس مشروعه هو، وفي هذه الحالة يكون إرتباط الجامعة بهذا المدرب محكوما ببطولة «الشان» أكثر منه إرتباطا بأهداف توضع على الورق ولا تنسجم مع السياسة التقنية في عموميتها.
إن المواجهة الحكيمة والعاقلة للفشل الذي صادفناه في بطولة «الشان» والذي هو امتداد لمسلسل طويل من الفشل، تقتضي أن نتوجه سريعا بكل ملكاتنا من خلال الإدارة التقنية الوطنية إلى إعلان حالة طوارئ قصوى على مستوى التكوين، بالإسراع في إطلاق مراكز تكوين الأندية تحت وصاية الجامعة وبالإسراع أيضا في إطلاق مراكز التكوين الجهوية الأربع التابعة للجامعة وبالإسراع في تهييء منظومة تكوين قاعدي تذهب رأسا إلى ما بات يشكوه اللاعب المغربي من قصور في النواحي التنافسية التقنية والبدنية كلما كان في مواجهة اللاعب الإفريقي.
وتقتضي أيضا أن تكون الجامعة من خلال إدارتها التقنية هي الوضعة والمفعلة للإستراتيجيات الخاصة بالمنتخبات الوطنية وهي الضامن الأول لوجود خيط ناظم بين هذه المنتخبات، وتقتضي أيضا العدول عن البدعة التي خلقتها الجامعة منذ أن خرج هذا المنتخب المحلي للوجود قبل ثمان سنوات بإناطته بمدرب ليس على علاقة بمدرب المنتخب الأول، ووضع هذا المنتخب المحلي بكامله تحت وصاية الإطار التقني المسؤول عن المنتخب الأول.
ويقتضي الخروج سريعا من سرداب الإقصاءات أن نوفر للنقد وللمساءلة التقنية مناخ الثقة والنزاهة، فأبدا لن يغير الله ما بكرتنا من نكسات، ما لم نغير ما في الفضاء الكروي، في مواقع المسؤولية التقنية والإدارية وفي المنتديات الإعلامية من فساد أخلاق وسوء نية وإصرار مبيت على الهدم والتشفي.