ما شاهدناه من عميد الفريق الوطني والأسد الذهبي، أشرف حكيمي، خلال نهائي كأس فرنسا، الذي انتهى بثلاثية باريسية أمام نادي رانس، كانت خاتمتها بقدم أشرف، لا يخرج عن إبداع يتكرر لمتعة العين، في زمن يصطلح عليه بثورة حكيمي في منظومة اللعب على مستوى الرواق الأيمن، ذلك أن الرجل يعطينا مع كل مباراة لمحة من ذلك الجمال اللامتناهي، دفقة سحر تعقب ما سبقها، ليتشكل أمامنا هذا العزف الكروي المنفرد.
حرصت على قراءة ما كتبته صحيفة «ليكيب» الفرنسية، تعليقا على نهائي لكأس فرنسا، جدد إعلان لاعبي باريس سان جيرمان، ملوكا على فرنسا، وغدا سنتمنى جميعا أن يعلنوا ملوكا لأوروبا، إن نجحوا في تجاوز إنتر ميلانو الإيطالي في نهائي أمجد الكؤوس، ومع الإنبهار من الطريقة التي جعل من خلالها الفريق الباريسي الكأس تأخذ اتجاها واحدا، كانت هناك إشادة كبيرة بأشرف حكيمي، الذي مُنِح تنفيطا عاليا، ليس فقط لأنه سجل ثالث أهداف باريس، ليكون هو الثامن له هذا الموسم في كل المسابقات، ولكن لأنه صنع لوحده خمس فرص كبيرة للتهديف، بعضها وضع زميلين له في حالة من الإنفراد الصحيح.
وكم كانت صحيفة «ليكيب» متحفظة إلى درجة البخل في إعطاء حكيمي ما يستحقه على مستوى التقييم، بل إنها في تحليلها لأداء الأسد الذهبي، ظلت بعيدة جدا عن زاوية الرؤية والحكم التي يرى منها المدرب لويس إنريكي ظهيره الطائر، وقد غدا مرجعا في التعريف بالظهير الدفاعي العصري.
طبعا، كل من يعشق الكرة المتحولة سيعجب بحكيمي، وكل مدرب يتطلع لكرة قدم متحولة تتسم بسرعة الإنتقال من الحالة الدفاعية إلى الحالة الهجومية، سيحتاج إلى أظهرة دفاعية شبيهة بحكيمي، لكن من أين لكرة القدم بلاعب يجمع بين كل المواصفات التي يتمتع بها أشرف، إنه الظهير الذي أحدث ثورة على النمطية في وظائف الجناح الدفاعي، وهو اللاعب الذي اجتمع فيه ما تفرق في غيره.
ولا عجب أن يكون لويس إنريكي، هو من قام بتحرير حكيمي من القيود الدفاعية المبالغ فيها، فالرجل يرى ما لا يراه غيره، والرجل تفنن في النفاذ لشخصية حكيمي، فأعجب كثيرا بمؤهلاته الفيسيولوجية ثم الذهنية، التي إن رافقها ذكاء تكتيكي كبير، أعطتني الشكل الذي به يتميز حكيمي عن غيره، الشكل الذي بات وجها للظهير العصري.
كثير منا يتمنى لو أن حكيمي يوظف من وليد الركراكي داخل الفريق الوطني، بذات الطريقة التي يوظف بها من لويس إنريكي في ناديه باريس سان جيرمان، حتى غدا وجها لمنظومة اللعب المبتدعة داخل الفريق الباريسي بعد رحيل الأباطرة، والحقيقة أن حكيمي ما عاد بالإمكان أن يتنفس إلا هواء تكتيكيا شبيها بالذي يتنفسه في باريس، فالرجل بسرعته القياسية التي تجعل منه أسرع ظهير أيمن في كرة القدم العالمية، وبسخائه الهجومي الذي يعدد من الحلول لزملائه وبكاريزميته العالية، لا يليق به أن يسجن في صندوق صغير، يقيده بالأدوار الدفاعية ويعطل حواسه الهجومية، حكيمي باريس الذي هو نسخة طبق الأصل من مبدع زمانه، هو ما يحتاجه الفريق الوطني ليكسب مروحية جديدة تحلق بالرعب فوق رؤوس المنافسين.