مرة أخرى يُثار النقاش حول غياب عميد الفريق الوطني المهدي بنعطية عن لائحة هيرفي رونار لمباراتي الرأس الأخضر ذهابا وإيابا، والأسباب التي تجعل هذا اللاعب المثير للجدل يتشبت بقرار الإبتعاد عن العرين إلى أجل غير مسمى.
بعض المنابر الفرنسية أشارت أن بنعطية إعتزل دوليا بشكل نهائي لكنه يتستر ولا يريد الإفصاح عنه، فيما يؤكد رونار في كل خرجاته أن عميده سيكون حاضرا وقائدا في قادم الإستحقاقات أبرزها كأس أمم إفريقيا 2019، وأن الغياب المؤقت الحالي هو لدواعي خاصة تتعلق بوضعية اللاعب داخل فريقه جوفنتوس.

صعقة كهربا
شكل إقصاء الفريق الوطني من ربع نهائي كأس أمم إفريقيا 2017 بالغابون أول منعرج في مسار المهدي بنعطية مع الأسود والذي بدأ قبل عشر سنوات، وأول نقطة أفاضت كأس المشاكل لهذا اللاعب المثير للجدل مع منتخب وطنه.
خروج الأسود أمام الفراعنة بهدف قاتل لمحمود كهربا كان ضحيته العميد الذي إتُهم بالتهاون في إبعاد الكرة، مع تحميله مسؤولية الإقصاء كاملة، الشيء الذي لم يتقبله اللاعب، خصوصا وأن الناخب الوطني هيرفي رونار خرج بعدها ليدافع عن بنعطية ويؤكد أنه غير مسؤول عن صعقة كهربا، وإنما لاعب آخر في إشارة إلى عمر القادوري.

تذمر وتفرغ للنادي
إنهار بنعطية تماما بعد موجة الإنتقاذات التي تعرض لها من قبل أغلبية كبيرة من جماهير الفريق الوطني، والحملة الشرسة عبر مواقع التواصل الإجتماعي والتي نهشت سمعته وقيمته ومكانته كعميد مخضرم وأفضل اللاعبين المغاربة والعرب والأفارقة.
لم يفهم الرجل ما يحدث داخل المملكة والأوساط الكروية التي طالبت برأسه، فغالبه التذمر والإحباط وقرر الهروب إلى طورينو والإنزواء داخل أركان بيت السيدة العجوز، معلنا إعتزاله الدولي المؤقت بحجة أنه يريد التفرغ لمشواره مع اليوفي والقبض على الرسمية بشكل مستمر وغير متقطع.

جدل وسخط
أثار قرار إعتزال بنعطية دوليا الكثير من الأسئلة، فأسال مداد أقلام الصحافة الوطنية والأجنبية حول الظرفية، في ظل ركوب الفريق الوطني سفينة التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2018.
«بنعطية تخلى عن وطنه» عنوان رقص في ذهن المتتبعين والنقاذ الذين أيقن لهم بأن شخصية عميدهم ضعيفة ولا تتقبل النقذ والجدال، وأن الحل الأسهل إتخذه وهو الإبتعاد وترك السفينة تبحر دون قائد، مما دفع البعض لتوجيه سهام السخط وفتح فوهة النيران في وجه المهدي الذي قيل أنه يحب الظهور وإستعراض العضلات لحظات الفرح والرخاء، ويهرب ويختفي في أوقات الإحباط والشدة.

عودة بطل
عاد المهدي بنعطية ليتقدم العرين في آخر جولات تصفيات المونديال حيث الموقعة الحاسمة بأبيدجان ضد الكوت ديفوار، ليعلن تواجده كمايسترو للفرقة في النهائي الحاسم الذي يضع الأسود على حافة التحليق إلى روسيا.
بنعطية ظهر كقائد حقيقي في التوقيت المناسب وسافر مع الكثيبة الوطنية وهو يجتر إصابة، فتحامل على نفسه وقاوم الإصابة وتحدى تعليمات مدربه أليغري، ليقرر المشاركة في المباراة التاريخية والتي صنع فيها الحدث، بتسجيله لهدف والمساهمة الكبرى في خطف تأشيرة العبور للمونديال لأول مرة منذ 20 سنة، ليصبح محبوبا بعدما كان منبوذا ويدخل خانة الأبطال.

تحقيق حلم
دخل بنعطية وبقية زملائه في فرحة هيستيرية بعدما حققوا الحلم الأعظم من قلب أبيدجان وأمام أقوى المنتخبات الإفريقية، وخرج العميد مباشرة بتصريح يقول فيه بأنه أسعد يوم في حياته.
مدافع جوفنتوس دخل التاريخ وحقق الحلم ورفع الراية الحمراء مشيرا أنه وطني حتى النخاع ولم يندم يوما على إختيار الأسود عوض الديكة، فمنحه التأهل للمونديال أجنحة حلق بها عاليا في سماء الكالشيو لينقض على الرسمية ويوقع على إياب ناجح وباهر بتنافسية مطلقة وأهداف حاسمة وألقاب ثمينة.

ثورة في عز المونديال
بعد قص شريط المونديال والهزيمة الأولى المباغثة ضد إيران، إصطدم بنعطية مع المدرب المساعد مصطفى حجي الذي وبخ اللاعبين وإستفزهم بعبارات قاسية، الشيء الذي لم يتقبله العميد ليخرج بتصريحه الشهير بعد مباراة البرتغال، معلنا الحرب العلانية مع حجي وثورة الأسود على صاحب الكرة الذهبية السابق.
بنعطية إندفع إعلاميا ونشر الغسيل الداخلي للفريق الوطني وأفصح عن بعض ما يُجرى داخل المطبخ الداخلي، لتُقام الزوبعة وتتوثر الأجواء، ويزيد الإنشقاق فتُفسد حلاوة المونديال، قبل أن تُطرح علامة إستفهام عريضة حول سبب غيابه عن اللقاء الأخير ضد إسبانيا بكالينينغراد وجلوسه في كرسي الإحتياط.

إنقسام ثم صُلح
«المنتخب» كانت حاضرة في قلب الحدث العالمي وطرحت سؤالا على هيرفي رونار عن سبب غياب القصير عن ملاقاة لاروخا، فكانت الإجابة بأنها الإصابة وليس شيء آخر في إشارة إلى الخلاف الذي نشب والتصريح الناري من بنعطية بحق حجي.
الإنقسام والتوثر سرعان ما تلاشى بعد تدخل رئيس الجامعة فوزي لقجع على الخط وعقده لإجتماع مع المتخاصمين بمقر إقامة الأسود بفورونيج، وهو ما تسرب لـ«المنتخب» أنذاك ليقع الصلح وتعود المياه لمجاريها، وينتصر حجي الذي نجح في إستفزاز رفاق بنعطية ليقدموا مباراتين بطوليتين وتاريخيتين ضد السلساو والماطادور.

هروب جديد
إنتظر الجمهور المغربي أول ظهور للفريق الوطني بعد المشاركة في كأس العالم، وذلك في مباراة مالاوي مطلع شهر شتنبر ضد مالاوي، وتفاجأ الكل مجددا بسقوط العميد من اللائحة لأسباب مجهولة.
الهروب الثاني لبنعطية من المنتخب وبعد بطولة رسمية في ثاني حالة، فتح باب التأويلات حول عقوبة من الجامعة أو رفض من اللاعب للحضور بسبب واقعة الإصطدام مع حجي، قبل أن يطل الناخب الوطني هيرفي رونار ليشرح أن الإستبعاد جاء إتفاقيا لرغبة صاحب 31 سنة في التركيز على مشواره مع اليوفي، والمنافسة على الرسمية وإثبات الذات في معاركه الضارية اليومية مع صقور دفاع الطاليان كيليني وبارزاغلي وبونوشي وروغاني.

زيارة بالكثير من الدلالات
قام هيرفي رونار بحر الأسبوع الماضي بزيارة المهدي بنعطية بطورينو ومتابعة مباراة جوفنتوس ضد يونغ بويز في منافسة عصبة الأبطال الأوروبية، رغم أنه أسقطه مجددا من حساباته لمواجهتي جزر القمر ذهبا وإيابا.
الزيارة حملت الكثير من الدلالات أبرزها أن رونار يعتبر بنعطية قائدا لا يُمس ولا نقاش في مكانته داخل الفريق الوطني، وأن غياباته المتكررة متفق عليها من أجل مصلحة اللاعب والمنتخب معا، وأن جاهزيته ورسميته مع جوفنتوس ستعودان بالنفع على الفريق الوطني المقبل على تظاهرة هامة يريد ربح رهانها وهي كأس أمم إفريقيا 2019.

إعتزال مؤقت أم نهائي؟
رغم تصريحات رونار وتأكيده أكثر من مرة أن بنعطية سيواصل المشوار الدولي مع الأسود وسيكون قائدا رسميا في أبرز المواعيد المقبلة، إلا أن وسائل إعلام فرنسية أبرزها إذاعة «مونتي كارلو» أكدت أن العميد إعتزل نهائيا لكنه يتستر وينتظر الظرفية المناسبة لإعلانه بشكل رسمي.
ما خرج به المنبر الفرنسي لم ينفيه اللاعب ولم يعقب عليه مما زاد من علامات الإستفهام، لكن الإشارات الملتقطة من محيط العرين والجامعة وأيضا اللاعب تؤكد أن عميد الأسود لم يعتزل نهائيا، وإنما سيعود في وقت لاحق، ليكون قائد الفيلق في الكان لتحقيق اللقب القاري الثاني الهارب منذ 42 سنة.