بدا وكأنها صخرة في وزن وهول الجلمود، رمت بها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في نهر كرة القدم الوطنية، فأحدثت فرقعة قوية ورجة في كافة الأوساط، وهي تصدر بلاغا قويا يناهض كل الأساليب الدنيئة التي يعمد إليها البعض لتهجير اللاعبين المغاربة من الذين تبرز مواهبهم في أكاديميات ومراكز تكوين الأندية، بل وتقرر تحريك مسطرة القضاء، لمتابعة من تبثت في حقهم هذه الجنحة، ورفع الصوت الإستنكاري والإحتجاجي لدى الجهاز المشرف على كرة القدم العالمية، الإتحاد الدولي لكرة القدم، وبموازاة مع هذا كله، تقرر الجامعة أن تجمد عمل الوسطاء إلى حين تهييء دفتر تحملات جديد يعيد رسم الحدود القانونية لمهنة الوساطة الرياضية.

إجتماع بقنابل موقوتة
ما كان أحد بيننا يتصور أن الدعوة لعقد اجتماع للمكتب المديري للجامعة، في هذا التوقيت بالذات، ستكون لها أسباب ومسببات غير الذي تفاعل مؤخرا في الوسط الكروي الوطني، من إشكالات مرتبطة باللخبطة التي ضربت البرمجة مع نهاية الموسم الكروي، ومن رمي عن بعد، لتهم التلاعب بنتائج بعض المباريات، إلا أن ما سيتأكد واجتماع المكتب المديري للجامعة ينتهي مقرونا بالبلاغ الصادر، هو أن الدعوة على عجل لعقد هذا الإجتماع كان سببها ضبط خيوط مؤامرة تستهدف الرأسمال والإرث البشري للأندية الوطنية.
ما كان لبلاغ المكتب المديري للجامعة أن يفصل في  قضية التهجير موضع الشبهة، والتي حركت آلية المتابعة، إلا أنه أمكن لـ «المنتخب» أن تتوصل إلى أن خيوط القضية متشابكة، ولكن جوهرها وأساسها هو أن لاعبين من أكاديمية محمد السادس لكرة القدم وأكاديمية نادي الفتح الرباطي في سن السادسة عشرة، جرى استدراجهم من طرف وسطاء، منهم من يحمل رخصا مغربية، والهدف طبعا هو تهجيرهم لأندية خليجية بكثير من المغريات المالية.

التهجير ليس وليد اليوم
وإذا كان المكتب المديري للجامعة قد قرر التصدي بقوة وعلى المكشوف لهذا الإستنزاف المعلن والمبطن للكفاءات المغربية، فإن هذا الذي أثار حفيظة رئيس الجامعة وأعضاء المكتب المديري، ودفعهم إلى إسماع صوت الرفض بل وطلب القصاص من الجناة، ليس وليد اليوم ولا اللحظة، فقد عاشت كرة القدم المغربية فصولا مماثلة لعمليات تهجير جماعية للقاصرين، وأحيانا بصورة مفضوحة، وكأني بمن نفذوا تلك العمليات لم يكترثوا بأحكام القانون، أو لربما كانت لهم تربيطات مع مسؤولين داخل الأندية المستهدفة بعملية التهجير.
ولعلكم تذكرون الرجة التي حدثت قبل سنوات، وقد تم ترحيل أربعة من لاعبي الرجاء الصغار والقاصرين لبلد خليجي، وبرفقتهم أولياء أمورهم وقد تحصلوا على إغراءات مالية مهمة، العملية التي جرى تصميمها بدقة من قبل مؤطرين ووسطاء، انتهت طبعا بالفشل، بالنظر إلى أن الرجاء البيضاوي تحرك على أكثر من صعيد ونجح في استرداد لاعبيه.

الفيفا تتصدى للتجنيس وتهجير القاصرين
والذي يطلع على قانون الإتحاد الدولي لكرة القدم، ما يرتبط منه بتجنيس اللاعبين وأيضا بالتعاقد مع لاعبين قاصرين، سيجد أن الفيفا لا تتوقف عن نصب الجدارات المانعة للتجنيس ولاستغلال لاعبين قاصرين، بل إنها تفرض عقوبات مغلظة على كل من خالف هذه الأنظمة.
إن الجامعة وهي تتحرك بإيعاز من الأندية والأكاديميات المتضررة من مافيا تهجير اللاعبين القاصرين، للتصدي لهذا الإستنزاف البشع للطاقات المغربية، لا تبدي بحسب صيغة البلاغ أي استعداد لفرملة عملية تنظيف المشهد الكروي من الوسطاء الفاسدين الذين سمحوا لأنفسم بأن يبيعوا ويشتروا في أبناء وطنهم، وفي ذلك فإنها ودائما بحسب البلاغ، تبدي استعدادا لا رجعة فيه للضرب بيد من حديد على من هندسوا لصفقات التهجير بأن حركت بشأنها مسطرة قضائية للبحث والمتابعة، وقررت تجميد كل رخص الوسطاء المغاربة المعتمدين، إلى حين إنجاز دفتر تحملات يضع وكلاء أعمال اللاعبين في صلب معايير فنية ورياضية.

الوساطة.. قضية أخرى
ولا نحتاج إلى قوة بديهة، لنربط بين القرارين اللذين انتهى إليهما المكتب المديري للجامعة، أولا بتحريك مسطرة المتابعة في حق المتورطين بتهجير لاعبين قاصرين وعرض ذلك على الفيفا، وثانيا بتجميد كل الوسطاء، فالجامعة وقد حصلت على أدلة ثبوتية، تكون قد توصلت إلى تورط وسطاء بعينهم في هذا الفعل المرفوض، لذلك قررت تعميم القرار القاضي بتعليق كل رخص الوسطاء أو وكلاء اللاعبين، بهدف التخليق والتقنين وتجاوز ما كان من اختلالات في منح رخص الوساطة وتقييم عمل وكلاء اللاعبين.
وبرغم أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تأخرت نسبيا في تحركها لحماية الرأسمال البشري الوطني من آفات التهجير والتجنيس والمضاربة، على غرار ما تبديه من ليونة مع كثير من الأوراش المتصلة بتجويد الحكامة، فإننا نثمن عاليا أنها وقد شعرت بالخطر المحذق، بادرت إلى ممارسة سلط الحماية والرقابة والتخليق التي يمتعها بها قانون التربية البدنية والرياضة، ومن أوجه الحماية لكرة القدم، عدم السماح لأي كان الإتجار بها أو حتى العمل بها ما لم يكن حاصلا على اعتماد من الجامعة، والحال أن بالمغرب تنتشر أكاديميات (تجاوزا) ومدارس لكرة القدم غير حاصلة على اعتماد من طرف الجامعة، بل إن منظومة عملها غير مصادق عليها، ويجني أصحابها ما يجنون من أموال وثروات ويجنون بذلك على الأطفال والشباب.