بالقدر الذي يكبر فيه حرصنا، على تأهيل صناع الفرجة لمحاكاة كرة قدم المستوى العالي من خلال تحسين وتجويد منظومة التكوين بمختلف أبعادها الفنية والبدنية والتكتيكية، وبالقدر الذي تشغلنا الأندية باستجابتها لحتمية رفع درجات الحكامة وعقلنة التدبير  بهدف التطابق مع ضرورات المشروع الإحترافي، وبالقدر الذي نقاتل فيه من أجل سحب البطولة الإحترافية من مستنقعات التأجيلات الإعتباطية، لجعل هذه البطولة تتمتع بالقدرة على تسويق نفسها في محيطها القريب، بذات القدر ننشغل بقضاة الملاعب (الحكام)، بتكوينهم، بشخصيتهم وبمستويات الإفتحاص والتقييم لأدائهم بهدف الوصول لأعلى درجات العدالة والنزاهة، وكلنا يعرف أن أخطاء التحكيم بخاصة منها تلك التي تنتفي فيها صفة العمد، إن غيرت مسار مباريات، فإنها لخطورتها وجسامتها تجني على مدربين ولاعبين وأحيانا تعرض جهودا مضنية تبذلها الأندية لتنزيل مشاريعها للتلف.
ومن يرصد للمحطات الكبرى لمسار السيد فوزي لقجع على رأس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، من يتعمق في قراءة أوراشه الكبرى التي تأسست عليها استراتيجيته منذ وصوله إلى دفة الجامعة، سيدرك كم كان لقجع حريصا على أن يكون التحكيم إحدى أكبر أولوياته، فهو يقدر جيدًا ما مدى أن يكون لكرة القدم الوطنية حكام عادلون، حتى لو أن طبيعتهم الإنسانية والتضاريس الوعرة للمباريات، لن تجعلهم يعدلون مهما حرصوا على ذلك.
وقد أمكنني تقدير الأهمية الإستراتيجية والبالغة، التي يضفيها رئيس الجامعة على مجال التحكيم، من خلال مبادرات سعت إلى تقوية الهياكل وتحديت وسائل العمل والإشتغال، وطبع تدبير مرفق التحكيم بقدر عال من الحكامة لدرجة مأسسته، وأمكنني أيضا ملاحظة الأسوار التي نصبها أمام الحكام، ليمنع عنهم كل الغارات، حتى أنه توجه لزملائه رؤساء الأندية، متوددا حينًا ومهددًا ومغاضبا حينًا آخر، بعدم الإقتراب من الحكام وبعدم ممارسة أي ضغط من أي نوع عليهم، ويتركونهم يعملون ضمائرهم في تأمين تحكيم عادل للمباريات، ولا ندعي بأن فوزي لقجع جاء بما لم يأت به من سبقوه على رأس الجامعة، في موضوع التحكيم والحكام، إلا أن ما يلاحظ اليوم على بنية مؤسسة التحكيم وما يستثمر فيها وما يرصد لها من إمكانيات لوجيستية وما يتمتع به الحكام اليوم من ظروف مريحة للعمل، يؤكد بالفعل أن المجهودات تضاعفت على أكثر من صعيد ليصبح التحكيم المغربي احترافيا، سلوكًا ومعاملات وتدبيرًا.
وإذا كان الحديث عن مباريات تتحقق فيها العدالة كاملة ولا تشوبها أخطاء تحكيمية، شيئا سورياليا ولا وجود له في الواقع، فإن اللجنة المركزية للتحكيم ومعها مديرية التحكيم مدعوتان إلى مزيد من الشفافية والعمق في تدبير الشأن التحكيمي، برفع درجات المراقبة والإفتحاص وأيضا بخلق مناخ الثقة وبمد جسور التواصل بينهما وبين مجموع الأندية الوطنية، بما يساعد على إبادة كل أشكال الإحتقان والتوتر.
والحقيقة أن أكثر شيء يؤلمني ويستفزني، أن أسمع برؤساء أندية يشتكون، من أن رسائل الإحتجاج والتظلم التي يوجهونها كما تقول الأعراف إلى اللجنة المركزية للتحكيم لا يحصلون على أجوبة ولا على ردود إزاءها، وهذا التجاهل المقصود لكل تلك الإحتجاجات، لا يدفع ظلما ولا يريح ضمائر بل ويجعل المشتكي مدركًا أن الظلم قد وقع عليه، حتى لو كان مخطئا في طبيعة الإحتجاج، وأذكر جيدًا أن فوزي لقجع وهو يتحدث إلى الموكول لهم تدبير الشأن التحكيمي، كان جازما في دعوة هؤلاء إلى تحمل مسؤولياتهم عطفًا على الإمكانيات التي رصدت لهم، وأيضا في مطالبتهم بالرد على كل الإستفسارات التي تأتيهم من رؤساء الأندية في صورة احتجاجات أو استفهامات.
والحال أن الرد على تلك الإحتجاجات بتقديم الدفوعات القانونية للحالات التحكيمية محل خلاف أو احتجاج، أو بإعطاء الحق لأصحابها، ستكون له حسناته، الحسنة الأولى أن التفسيرات القانونية لبعض الحالات ستهدئ الروع وقد تقصي كل فهم خاطئ للقانون، والحسنة الثانية أنها ستؤكد للأندية أن عين اللجنة المركزية لا تنام عن إحلال النزاهة والعدالة في إدارة المباريات، والحسنة الثالثة أنها منفتحة على كل أشكال التواصل، وفي الأمرين معًا ستكون اللجنة المركزية للتحكيم قد امتثلت لأوامر رئيسها الذي ما نطق عن الهوى، عندما ألح على ضرورة أن تنفتح اللجنة إياها على محيطها وبخاصة على رؤساء الأندية، الإنفتاح الذي يعني الحوار المتواصل والإنفتاح الذي يعطي الحق للأخرين في أن يحصلوا على إجابات على تساؤلاتهم.
إن الحديث عن وجود عائلة لكرة القدم، هو حديث عن أعضاء كاملي العضوية، إذا مرض أحد هذه الأعضاء تداعت له الأخرى بالسهر والحمى، وأكثر ما يجلب لعائلة كرة القدم الحمى هو انهيار منظومة التواصل وإشاعة الإهمال.