طريق الإصلاح الذي تمشيه كرة القدم الوطنية، بإيعاز من الظرفية الدولية والتي تقتضي منظومة تدبيرية من عيار مختلف كثيرا عن الذي ساد مشهدنا الكروي الوطني لعقود، وبتحريض من حاجة المغرب إلى رياضة مهيكلة وقوية وقادرة على رفع رهان التنمية المستدامة، طريق الإصلاح ذاك بالكاد مشينا فيه خطوات صغيرة، ويحتاج فعلا إلى ما يسرع هذا الخطو، لأن ردم الهوة التي تفصلنا عن دول الشمال لا يمكن أن يكون بالقوة والنجاعة المرغوب فيها، إذا ما ظل مشينا كمشية السلحفاة.
ومن يرصد جيدا حركية المشهد الكروي الوطني منذ فجر الإستقلال، سيقف على كثير من الإنعطافات، إما تلك التي أملتها ظرفيات بعينها، وإما تلك التي دخلتها كرة القدم الوطنية بمحض إرادتها، إلا أنه وللأمانة ما نشهده حاليا يمثل ثورة فعلية على النمط التقليدي المتجاوز في تدبير وإدارة شأن كرة القدم، إن على مستوى الجامعة أو على مستوى الأندية، وأنا هنا أفتح زاوية للرؤية علتها ضبابية كثيرة، بفعل ما نقف عليه مجسدا في المشهد الكروي، من أشياء تستفزنا بل وتدفعنا أحيانا إلى التشاؤم، أشياء مقرفة يأتي بها من هم مستهدفون بالتغيير الجذري الذي تفرضه الظرفية العالمية على كرة القدم الوطنية.
عندما أستمع للسيد فوزي لقجع رئيس الجامعة، ولغيره من رؤساء الأندية، ممن يتطابقون فكريا ورياضيا مع المرحلة وبخاصة مع الفكر الإحترافي، أستشف ذاك الشغف الذي يدفع إلى ارتياد آفاق جديدة، وإلى مباشرة عملية التغيير مهما كان الثمن ومهما أدى ذلك إلى التضحية ببعض الرموز، وهو شغف متى نفذ عند أصحابه، متى خارت قواهم واستسلموا لليأس وخرجوا مرغمين لا مخيرين من المشهد.
لقد باشرت كرة القدم في السنوات الأخيرة عملا هيكليا في العمق، أعاد بناء الصرح وعالج ما كان به من شرخ، وبفضل ذاك العمل البنيوي والهيكلي ربحت كرة القدم سنوات كثيرة على مستوى البنيات التحتية، حتى غدت مرجعا للقارة الإفريقية بل وأصبحت تقارن بلا استيحاء مع دول الجوار في جنوب القارة الأوروبية، وبرغم أن الحاجة ما زالت ماسة إلى مضاعفة الجهود، لربح مسافات جديدة في هذا الطريق، إلا أنه يمكن القول أن كرة القدم الوطنية ربحت بالفعل رهانها التاريخي مع بنياتها التحيتية، كما ربحت رهانها الإستراتيجي مع التقنين الذي يرسم بدقة الأبعاد ويحدد بموضوعية الملعب الذي ستلعب فيه كرة القدم مباراتها الحاسمة، ملعب الهواية أم ملعب الإحتراف.
لذلك لا يزعجني شخصيا ما يضج به المشهد الكروي من احتقانات ومن تراشقات، فكل تلك الإحتقانات والتراشقات وحتى الإختلالات هي من طبيعة هذا التحول الكبير الذي تعيشه كرة القدم الوطنية، تحول يمارس نوعا من التعرية على المشهد، ولن تكتمل هذه التعرية إلا إذا انمحى من الوسط الكروي، المسيرون الفاقدون للأهلية والصفة، المسيرون الذين خسروا منذ زمن رهانهم مع التغيير، المسيرون الذي فشلوا في امتحان الإحتراف ولا يستطيعون التمييز بين الإحتراف كنظام وفلسفة وبين الإحترافية كسلوك وممارسة.
إن هذا الضجيج الذي يعلو بين الحين والآخر، سببه هؤلاء الذين أشهرت الحكامة إفلاسهم ويقاتلون بسلاح التحايل والتضليل والتمسك بجلباب القانون، من أجل أن يستمروا حيث هم، قابضين على أعناق الأندية، متحكمين في مصائرها، حالبين لضرعها، مستفيدين من تواطئات سياسية نعرف جميعا طبيعتها، ومتسببين لقطار الإصلاح والتغيير في أكبر المعيقات.
يعرف فوزي لقجع رئيس الجامعة المعرفة اليقينية من يكون هؤلاء الذين يبطئون سرعة قطار الإصلاح، ومن هؤلاء الذين يتخندقون في جحور المقاومة، وسيكون عليه بالشجاعة الأدبية وبالبراغماتية المعروفتين عنه، أن يتصدى لهم باسم القانون، ليبعدهم عن أندية تسلطوا عليها وحالوا بينها وبين التطابق مع المرحلة والمساهمة في بناء اقتصاد المدينة..
إن انمحى هؤلاء من المشهد خلا الطريق للإصلاح فربح الكثير من الأميال.