كان من المستحيل طبعا أن يأتي الفريق الوطني إلى وديته أمام خيول بوركينا فاسو، وقد انقشعت بالكامل كل غيوم الشك وسحابات الخوف التي انتشرت في أفقه مع توالي المباريات، رسمية كانت أم ودية، لذلك ما تصورنا أن يحدث انقلاب نوعي في شكل وحجم الأداء الجماعي، إلا أنه في مقابل ذلك كان من المؤسف ألا نسجل لهذا الفريق أي خطوة فعلية لتبديد هذا الخوف الذي بات يركب المغاربة بسبب أن فريقهم الوطني لا يكاد بعد كل هذه الأشهر التي قضاها تحت إمرة المدرب وحيد خاليلودزيتش، يعثر على مسلك طبيعي يمشي فيه واثق الخطى ليتطابق جماعيا مع ممكناته الفردية الكبيرة.
لم تشعرنا ودية بوركينا فاسو بأن هناك تقدما في ورش تجهيز منظومة اللعب برغم كل التغييرات التي يدمنها وحيد، والتي تعجزنا عن القول بأن هناك نواة صلبة، وبأن هناك تشكيلا نموذجيا والأكثر منه أن هناك جلبابا تكتيكيا وضع على مقاس هذا المنتخب.
في مباراة بوركينا فاسو عاد وحيد للعب بشاكلة 4-3-3 بوجود ثنائية في العمق الدفاعي شكلها من غانم سايس وسفيان شاكلا بوجود ظهيرين متفاوتين في الجاهزية وفي حجم التنشيط الهجومي وبوسط ميدان هو أيضا ورشة لا يتوقف فيها العمل والتجريب، إلا ما كان من الإقتناع بضرورة تواجد عادل تاعرابت كصانع للألعاب.
والحقيقة أن وحيد يكثر من تنويع البناء الدفاعي، في عمقه وفي أجنحته، مع أن لا شيء يقول بأن هذا الخط يشكو من خلل ما، إلا ما كان من غياب ظهير أيسر يحصل عليه الإجماع، والدليل الذي أقيمه على أن الفريق الوطني يملك بلا أدنى شك واحدا من أفضل خطوط الدفاع بإفريقيا، هو أنه لم يستقبل أي هدف في آخر 5 مباريات لعبها، إذ أن آخر هدف استقبلته شباك ياسين بونو يعود إلى مباراة جمهورية إفريقيا الوسطى التي ربحها الفريق الوطني برباعية لهدف.
وقد كان حريا بالناخب الوطني أن يذهب إلى تثبيت هذا الخط الدفاعي، لا أن يكثر من تجريب ثنائياته، بخاصة تلك التي تتعلق بمتوسط الدفاع، لدرجة أن غانم سايس الذي يمثل الثابت في متحولات هذا القطب الدفاعي، لعب منذ مجيء وحيد أو بالأحرى منذ اعتزال المهدي بنعطية، مع يونس عبد الحميد ومع سفيان شاكلا ومع جواد يميق ومع نايف أكرد ومع سامي مايي ومع زهير فضال، لذا لا يبدو من الذي يفعله وحيد وهو يعدد من الخيارات أنه يجرب كل هذه التشكيلات لكي يستقر على واحدة منها، بل إنه يعطي الإنطباع على أنه إلى الآن ليس مقتنعا بأي منها، والحال أن الوقائع والأرقام والإحصائيات الدفاعية للفريق الوطني لا تبقي مجالا للشك في قوة ومتانة المنظومة الدفاعية.
ولعل المشكل الأكبر في ضبابية الرؤية وفي غياب اللحمة المطلوبة لكي يتحسن الأداء الجماعي للأفضل، هو في تركيبة وسط الميدان وخط الهجوم وأيضا في عدم نجاعة التنشيط الهجومي، فإن كان الفريق الوطني يبدي القوة والصلابة دفاعيا ولا يستقبل أهدافا، فإنه في المقابل يصادف الكثير من المتاعب في صناعة الفرص، بسبب أن الإنسيابية في الأداء غير موجودة، وبسبب أن الإنتقال من الحالة الدفاعية للحالة الهجومية يتم بطريقة بطيئة تساعد المنافس على أن يعود سريعا لمنطقته، ولعلكم لاحظتم أن الفريق الوطني في آخر 4 مباريات لم يسجل سوى 3 أهداف، إثنان منها بواسطة مدافعين (يميق وحكيمي)، والهدفان معا لم يسجلا من جمل هجومية بل من كرات متوقفة.
إن الأداء الذي يرضى عنه المغاربة ويجب وجوبا أن يتوفر للفريق الوطني لقيمة العناصر الموجودة لديه، يجب أن يتسلح بكثير من الواقعية، والواقعية هي أن يعطي الفريق لنفسه القدرة على صناعة الفرص بتنويع طرق التنشيط الهجومي، وذلك يكون بربح الثنائيات وسرعة افتكاك الكرة وبالإستحواذ الإيجابي ثم بالضغط العالي وأخيرا برفع درجة النجاعة الهجومية التي تخصب المحصول التهديفي.
طبعا سنحتفظ من ودية بوركينا فاسو بأمرين اثنين، أولهما أن الفريق الوطني كان أفضل نسبيا بشاكلة 4-3-3 منها بشاكلة 3-5-2، وثانيهما أنه حافظ على مناعته الدفاعية، ما يعني أن الإشتغال يجب أن يتركز أكثر على النواحي الهجومية بناء وتنشيطا، من دون التفريط في الذي بات مكتسبا على مستوى التنشيط الدفاعي.
إن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم على الناخب الوطني هو:
هل ضيق وحيد على نفسه هامش الزمن التجريبي، وهو يأتي على وديتين جادت بهما ظروف الجائحة، من دون أن ينجز تقدما ملحوظا في ورش بناء منظومة اللعب؟ 
أما بات من الصعب جدا الحديث عن تشكيل أسلوب لعب يفرز الأداء الذي به يتميز الفريق الوطني وبه يتفوق على منافسيه، وقد أصبحنا وجها لوجه أمام جبل تصفيات المونديال؟