غير النقاط الثلاث التي ما كان يجب التفريط فيها، عند مواجهتنا الثانية لثعالب غينيا بيساو، لأنها تحقق العلامة الكاملة وتضع فريقنا الوطني في مأمن من كل حادث عرضي حتى لو كان مستبعدا، فإن ما بحثنا عنه في مباراة يوم السبت في رابع جولات تصفيات كأس العالم، هو بالتأكيد تكريس الملمح الجميل الذي ظهر أخيرا في مباراة الخماسية، فبصرف النظر عن أن الأسود حققوا فوزا كاسحا هو الأقوى لهم على عهد وحيد خاليلودزيتش، فإن ما أفرزته مباراة الخماسية دل على أن انفراجة حدثت على مستوى منظومة اللعب، وكان تعقبنا بالعين التقنية لمباراة يوم السبت، أساسه أن نعرف ما إذا كانت تلك الإشراقة التكتيكية عابرة كما الشمس تشرق محتشمة في فصل الشتاء، أم أنها ثابت في مشهد الأسود لا متغير؟
وقد وقفنا والفريق الوطني بحاجة إلى ما يضمن له تكرار الفوز على الثعالب الملونة للوصول للنقطة التاسعة التي تضع له رجلا في الدور الأخير والحاسم، على حقيقتين إثنتين..
أول الحقيقتين، أن الناخب الوطني وحيد خاليلودزيتش استقر على النواة الصلبة وهو يعتمد ذات التشكيل الذي واجه منتخب غينيا بيساو في الجولة الثالثة وسحقه بخماسية نظيفة، وثانيهما أنه استقر أيضا على طريقة اللعب، فلم يتزحزح على شاكلة 4ـ1ـ3ـ2، وقد قدمت أرضية صلبة عليها تتأسس منظومة اللعب التي كانت الغائب الكبير في كل المباريات السابقة التي خاضها الأسود، وجعلتنا لا نطمئن للأداء الجماعي برغم كل الإنتصارات التي تتحقق.
وما بين تأمين الفوز من بداية المباراة والتفكير في مباراة اليوم الثلاثاء أمام غينيا كوناكري، ضمن أجندة مضغوطة وغير مألوفة للعناصر الوطنية، أقنعنا وحيد خاليلودزيتش حتى وهو يستقر على التشكيل والشاكلة، أن الأداء الجماعي لا يمكن أبدا أن يأتي قبل النتيجة، والحال أن الفريق الوطني قدم شوطا أول يقترب كثيرا في مضمونه وغناه التكتيكي من المباراة الأولى أمام غينيا بيساو، شوط أثمر تقدما مريحا بهدفين وكرس الوجه الضعيف لثعالب غينيا بيساو، الذين لم يكملوا لخمس وأربعين دقيقة جملة تكتيكية واحدة.
وإذا ما نحن قدرنا جيدا هذا الذي فكر فيه وحيد خاليلودزيتش، بالإبقاء على الطراوة البدنية وعدم استنزاف المخزون تحسبا لمباراة اليوم أمام منتخب غينيا كوناكري عن مؤجل الجولة الثانية من تصفيات المجموعة التاسعة، والتي سيكون فيها الفوز مرادفا لتأهل مبكر للباراج الحاسم، إلا أن ما شاهدناه في الجولة الثانية تحديدا دل على أن الأداء الجماعي ما زال مترنحا، وأن ما ينقص الفريق الوطني اليوم ليقدم الصيغة المثلى للأداء القوي والناجع والذي سنحتاجه حتما لنذهب بعيدا في نهائيات كأس إفريقيا للأمم بالكاميرون ولنؤمن عبورنا لمونديال قطر، أشياء كثيرة.
من هذه الأشياء الزيادة في سرعة التحول من الحالة الدفاعية إلى الحالة الهجومية (لاترونزيسيون) والعكس صحيح، الضغط المكثف والعالي لخنق شريان المنافس وإرباكه بل ودفعه لارتكاب الأخطاء القاتلة، وهذه الخاصية هي التي طبعت النسخة الناجحة للأسود مع هيرفي رونار، وأيضا التوافق على أن وسط الميدان الذي نلعب به اليوم على شكل مربع منحرف (لوزنج) يجب أن يأخذ شكلين إثنين بحسب طبيعة الخصم، اللعب بعنصر ارتكاز واحد واللعب بعنصري ارتكاز.
لا أتصور أن مباراة يوم السبت والتي جدد خلالها الأسود تفوقهم الرقمي على ثعالب غينيا بيساو، قد أعادتنا لمستنقع الحيرة وأجهضت ميلاد شاكلة اللعب، فما حدث هو من طبيعة الأولويات التي حددها الناخب الوطني، لذلك عندما سنلاعب منتخب غينيا الذي كان يفترض أن يكون منافسنا الأقوى في المجموعة، اليوم الثلاثاء في مؤجل الجولة الثانية، فإن المؤمل أن يحسم الفريق الوطني في تأهله المبكر لمباراتي الدور الحاسم وأن يعيد لنا المشهد الجميل لخماسية غينيا بيساو، ما يجعلنا مطمئنين وواثقين من أن المخاض العسير لمولد منظومة اللعب قد انتهى فعلا..