هل يجوز أن نطيل، بل ونمعن في انتقاد فريق يفوز بالحصص العريضة، هو الوحيد الذي حقق إلى اليوم العلامة الكاملة بين كل المنتخبات المتنافسة على الصعود للدور الحاسم والأخير، المؤهل لنهائيات كأس العالم؟
ألا يمكن أن يوصف بالتشويش، هذا القلق الذي نبديه علنا على أداء الفريق الوطني في جل المباريات التي لعبها حتى الآن تحت إمرة المدرب وحيد خاليلودزيتش؟
طبعا نعرف أن حساسية البوسني وحيد أصبحت مفرطة، إن لم تكن لدرجة تفسخها قد تحولت لهوس نفسي، كلما ذكرناه بالغياب المؤثر للاعبين في قيمة حكيم زياش ونصير المزراوي، ولو لأن لهذه الإحالة، ما يبررها في الأداء الذي يصيب جميعنا بمن فيهم هو بالوجع، بل ولا يجعل أكثرنا لا يفرح بهذا التأهل المبكر، بهذه العلامة الكاملة، وبهذه الهيمنة الكبيرة على مجموعة الغينيتين وصقور الجديان، لذلك سنترك كامل الوقت لهذا اللغز حتى تفك شفرته، وسنكترث بهذا الذي أفرزه لقاؤنا يوم الجمعة أمام السودان.
لا أستطيع أن أحصي للمرات التي ساء فيها أداء الفريق الوطني، على نسبية التقييم عددا، فقلة من المباريات التي خاضها الفريق الوطني تحت إمرة المدرب وحيد خاليليدزويتش، وكانت آخرها مباراة غينيا، التي تلمسنا خلالها ضوء ينير عتمة الطريق نحو تشكيل منظومة لعب ذات نسق تصاعدي، تستطيع أن تطابق الفريق الوطني مع ممكناته البشرية، ولعل هذا الذي وصفناه تخبطا في عمل وحيد، والرجل يكثر من التغييرات إن على مستوى الشاكلة أو التشكيلة، هو ما يفسر حالة الإحتباس التي يشكو منها الفريق الوطني عندما يكون ضروريا أن يقدم لنا ولكل الناس أداء مرجعيا.
قلت مرة أننا نفوز وأحيانا بحصص عريضة، ولكن مع هذه الإنتصارات كلها لا يمكن أن نضمن لهذه الدينامية الجميلة أن تتواصل في غياب طريقة للعب وفي غياب أداء مرجعي، لذلك إن كانت مباراة غينيا شهر أكتوبر الماضي قد تقدمت بنا خطوة على درب بناء منظومة اللعب، فإن مباراة السودان برغم ثلاثيتها أعادتنا مجددا خطوات إلى الوراء، بشهادة وحيد خاليلودزيتش الذي خرج بعد المباراة يقول أنه سعيد للنتيجة ولكنه غير سعيد للأداء، وفي ذلك يجب أن نسأل، من الذي أحضر هذه التعاسة مما نشاهده في الأداء؟ إن لم يكن وحيد هو السبب في تلك السعادة، فمن تراه سيكون؟
اختار وحيد من فرط "شروده التكتيكي" أن يتنازل خلال مباراة السودان، عن عناصر النجاح التي ساعدت على إفراز أداء مقبول أمام غينيا، وقد فعل ذلك فيما يبدو من فرط اقتناعه بأن الوصفات المجربة حتى الآن لم تفرز منظومة متكاملة، وإن كانت قد مكنتنا من العلامة الكاملة.
خرج وحيد من شاكلة 4-4-2 ليعود إلى شاكلة 4-3-3، ولكن مع توصية هامة وجهها لبوفال المرسم لأول مرة، هو ألا يشغل بنوع من الإدمان الرواق الأيمن، وأن ينحرف قليلا للوسط ليفرغ هذا الرواق لحكيمي، كما أنه غير من تموقع سايس في عمق الدفاع، وألح على تجريب ثنائية بوفال والحدادي ظنا منه أنها ستعطي للبناء الهجومي تدفقا وانسيابية أكبر.
لكنه في كل هذا أغفل معيارا هو ما يعاقب أي مدرب إن لم يجعل منه أولوية في بناء التشكيل البشري، وهذا المعيار ليس سوى معيار التنافسية، فقد كان معيبا بل ومتسببا في اهتراء الأداء وعدم ارتقائه للشكل المطلوب، أن وحيد اعتمد على خمسة لاعبين، أي 50 بالمائة من التشكيل الأساسي، تتفاوت تنافسيتهم بين الضعيف والأقل من المتوسط، وقد قدمنا دليلا على ذلك بالأرقام، ونحن نقدم لمباراة الأسود أمام صقور الجديان، فأدم ماسينا لم يلعب حتى الآن مع واتفورد سوى 495 دقيقة، وسفيان أمرابط لم يتجاوز 191 دقيقة مع ناديه فيورنتينا الإيطالي، وأيمن برقوق بالكاد لعب 93 دقيقة مع إنتراخت فرانكفورت، وعمران لوزا لعب شوطا واحدا فقط مع واتفورد منذ بداية الموسم ومنير الحدادي لعب 166 دقيقة فقط مع اشبيلية الإسباني.
ولو نحن قيمنا أداء كل هؤلاء خلال مباراة السودان، لوجدنا فعلا أن ضعف تنافسيتهم أثرت كثيرا على النسق الجماعي، بل إنها أصابت بعاهة كبيرة وسط الميدان الذي كان عند مواجهة الصقور الحلقة الأضعف، وهو ما يوصف بأنه الرافعة الأقوى لأي بناء تكتيكي أو أسلوب لعب.
يسأل في هذا طبعا وحيد خاليلودزيتش، لأنه يقرر بقوة السلطة الكاملة الممنوحة له، أن يعمل المعايير على هواه، أن يطبق معيار التنافسية على من يشاء، بل وأن يقدم المعيار الأخلاقي والإنضباطي، بنسبية التطبيق على ما عداه من معايير، لذلك لا يعذر وحيد على هذا التفسخ الذي تعرفه منظومة اللعب، كما لا يجب أن يتهم عنصرا ما بضلوعه في "تحقير" منظومة اللعب، لأنه في ذلك هو المتهم الأول.