من أين تأتي استثنائية النسخة السادسة والستين للبطولة الوطنية التي ترفع هذا الأسبوع ستارتها؟
من السياق العالمي الموشوم بتوسط كأس العالم للموسم وقد اعتدنا أن يأتي في ختامه، وكيف لا يكون هذا المونديال وقد توسط العقد، حدثا يسكن العقل والوجدان ومنتخبنا الوطني هو أحد فرسانه؟
أم من الطفرة النوعية التي تحدثها الأندية المغربية في محيطها الإفريقي، وقد غدت بقوة ما أنجزته في العشرية الأخيرة من إنجازات وألقاب رافعة متينة بل وملهمة للمنافستين القاريتين، وكيف لا يكون الأمر كذلك ونحن نتقدم حثيثا نحو موعد كروي غير مسبوق يتمثل في سوبر إفريقي تاريخي بين الوداد بطل العصبة ونهضة بركان بطل الكاف؟
أم من قوة الوثبة في المسار الإحترافي، وقد تأكد لنا بالمعطيات وحتى المؤشرات أن الأندية هذبت تدبيرها بخاصة منه المالي وأذعنت للأوامر الصادرة عن الجامعة، بخاصة ما يتعلق ببعث الحياة في الشركات الرياضية؟
كان من المؤشرات الدالة على هذا التعقل، أن الأندية لم تتهور في إنجاز انتداباتها الصيفية، وأنا هنا لا أتحدث عن الكم، لأن هناك أندية، ومنها الرجاء، أكرهت على إعادة بناء التشكيل البشري، ولكنني أتحدث عن الكيف، ما يتعلق بالمبالغ الجنونية التي كانت تصرف على الإنتدابات، في إجهاز صريح على التوازنات الإقتصادية، وقد دلتنا على ذلك فضائح كثيرة، منها أن أندية منعت من الإنتدابات بقرار من الفيفا أولا ومن الجامعة ثانيا، بسبب أحكام مربوطة بالنفاذ المعجل صدرت عن غرف النزاعات.
وكان أهم ما ميز الميركاطو الصيفي لهذا الموسم، أن أغلب الإنتدابات أنجزت بصفر درهم، لأن اللاعبين المعنيين جاؤوا أحرارا في حل من أي التزام وقد استوفت عقودهم آجالها أو أنهم انفصلوا عن نواديهم بالتراضي، والدال على ذلك، أن الأندية اتعظت ولم تعد بذاك النزق والتهور، وحتى إن كان بها ميل للجنون، فإن الجامعة رفعت متاريس تمنع مثل هذه الحماقات وتحظر الهذيانات.
ولئن كان هناك ما يميز فسيفساء الموسم الكروي الذي نقف على أعتابه، فهو بالتأكيد أن المغرب أقام جسرا كرويا معززا بينه وبين الدول المغاربية، فشهدنا هجرة مكثفة للاعبين جزائريين وتوانسة، في وقت كان لاعبو دول جنوب الصحراء يأتون بأعداد كبيرة في المواسم التي خلت، ومع تباين الإضافات الفنية النوعية التي يمكن أن يأتي بها لاعبون مغاربيون وآخرون من جنوب الصحراء، إلا أن هذا التنوع الحاصل في اللاعبين المجلوبين من خارج المغرب، يمكن أن يثري البطولة الإحترافية، ويدعم ريادتها إفريقيا.
إلا أن ما يمثل حجر الزاوية في قراءة المشهد الكروي الوطني من خلال بطولته الإحترافية، هو الفكر التقني والتكتيكي الذي يسود البطولة من خلال الأندية، ولا أظن أن الأندية في ذلك تحتكم إلى كناش تحملات أو حتى إلى معيار تقني وتكتيكي في تنصيب المدربين على رأس عارضاتها التقنية، فإن كان لمدربين رسوخ وباع ووعاء قوي من أمثال الحسين عموتا العائد للوداد والشيخ التونسي فوزي البنزرتي العائد للرجاء وجمال السلامي المنطلق مع الفتح بأحلام جديدة والزاكي بادو الذي يخوض تجربة ثانية له مع اتحاد طنجة والجينرال عبد الحق بن شيخة الذي عرج هذه المرة على النهضة البركانية، فإن مدربين آخرين إما أنهم يسعون للصعود على سلم الكفاءة أو أنهم يكتشفون بطولتنا لأول مرة، ما يضعنا في النهاية أمام فيسفساء جديد، لا مجال للحكم على ألوانه بالإتساق ولا على أفكاره بالتناسق، إلا بمرور الدورات.
وإن كان هناك من شيء أوصي به الإدارة التقنية الوطنية، فهو أن تضع هي الأخرى محددات تقنية تعقلن انتداب الأندية للمدربين، ليس من مبدإ الوصاية، ولكن من منطلق عقلنة المشهد التقني أولا ومن منطلق تخصيب البطولة الإحترافية تكتيكيا ثانيا، فلا نكون شهودا على مدربين يأتون بلا قيمة مضافة، بسير ذاتية مقرصنة أو بسمسرة مبيتة، ويكون الفريق هو الضحية ومن بعده البطولة الوطنية.