• الإدانة لا تكفي والعقوبات لا تشفي


ما عاد اليوم، وقد تابع العالم بأم العين وبمنتهى الوضوح، من مجال للإستكانة ولا المواقف السلبية المرنة، وقد ترجمها كما لم يحدث من قبل في تداخل السياسي بالرياضي المتحدث الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، وهو يدلي بدلوه في النازلة بقوله: «لن نسمح بل لن نتنازل إطلاقا عن إحاطة المجتمع الدولي وباقي المؤسسات بما طال هؤلاء الصغار من اعتداءات». 
ما حدث في ليلة العار تلك كان علامة فارقة وينبغي أن يمثل انعطافة حقيقية في مقاربة تعاطينا مع ما يأتي من الضفة الشرقية مستقبلا، مثلما أجمع الجمهور وحتى الشعب المغربي عليه، وهم يبدون تعاطفهم اللامحدود مع براعم شيبا. 

• طفح الكيل 
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تأتي فيها الإساءة ومقابل الحسنى بالشر من الجزائريين، ولم يعد من مجال للفصل الآن بين القول أن هناك نظاما عسكريا معزولا عن بقية الأتباع، لأنه ما لقيه صغارنا من ترهيب، كان امتدادا لبشاعة التضييق الذي مورس على المنتخب المتوسطي قبل شهرين في وهران، مثلما هو امتداد لرفض استقبال وفد إعلامي مغربي بالجزائر بإدعاء أنهم مخابرتيون وجواسيس في تجسيد واضح وصريح لما بلغه هذا الفكر المريض من قذارة. 
«خاوة خاوة» هو مجرد وهم لا طائل منه أمام التوحش وكمية الحقد التي تتضاعف حمولتها بتعاقب الأيام وقد تحلت بأكثر من دليل وفي أكثر من سياق وبأكثر من إشارة، تم نقلها بخطابات جوفاء مريضة لا على السلطة والهرم لديهم وتمريرها من طرف أزلام الإعلام وبيادق المرادية ولقيت صدى لها لغاية الأسف لدى فئة واسعة من الشعب الجزائري. وإلا كيف يفسر الصفير ضد عزف النشيد الوطني تارة وحذف آخر مقاطعه تارة أخرى واجتياح الملعب لإلحاق الأذى والضرر والسوء بصغار أبرياء لا حول لهم ولا قوة. 
• الإدانة لا تكفي والعقوبات لا تشفي
صحيح أن الجامعة بادرت للرد والتعقيب تفاعلا وتجاوبا مع تلك المشاهد المخزية عبر بلاغ منتصف الليل الذي تلا المباراة وفصولها المريعة والبشعة. 
وصحيح أيضا أن بلاغ الجامعة حمل من فقرات الإدانة والشجب وعدم قبول ذلك الوضع ولا تنازل عن رد الإعتبار، ما أشفى بعضا وليس كل الغليل والحرقة التي تجرعها المغاربة وهم يتابعون بلا حول لهم ولا قوة ما ناله الصغار على مسرح مباراة العار تلك من تنكيل. 
لكن اليوم نحن بحاجة لمقاربة المعاملة بالمثل، مقاربة مقاطعة اللعب بديارهم وفي ضيافتهم، لأن تواجد المغرب بعراقته وشموخه وتاريخه المجيد والتليد شرف لا يستحقه الجار الغدار. 
هم لا يتورعون في إعلان رفضهم الحضور للعب في العيون المغربية، ويعارضون تنظيم بطولات قارية في حاضرة الصحراء المغربية مثلما حدث في قصة الإعتراض عن تتنظيم بطولة افريقيا لكرة اليد بالعيون ونقلها صوب مصر، لذلك اليوم لا إدانة الجامعة تكفي ولا عقوبات الإتحاد العربي المالية تكفي، المقاطعة وصعود الجبل هو الحل ولا شيء سواه. 
• أتركوا لهم الشان
من تابع فصول ما حدث في أعقاب نهائي كأس العرب للبراعم والهيستيريا التي كان عليها لاعبو الجزائر، و»الجعرة» التي كان عليها لاعبوه وطاقم احتياطه والبكاء بتلك الكيفية وكأنهم توجوا بكأس العالم والترويج لقميص ملطخ بالدم بعد نهاية المباراة في إحالة إلى أنهم كسبوا معركة وليس مباراة كرة قدم بين أطفال قاصرين، والحقيقة أنهم استباحوا عرض الروح الرياضية، وبعدها رسالة كبيرهم الذي علمهم الغدر والتي هي امتداد لرسالته بعد التتويج بالكأس العربية بالدوحة، ورسالة جنرالاتهم التي تتعمد تحويل هذه المباريات الكروية لواجهات حربية دعائية، وامتداد لما رافق النسخة المتوسطية، وبالتالي استمرار مشاركة المنتخبات الوطنية في المحافل التي يحتضنها الجزائر، إنما يخدمهم ويضرنا. 
يخدمهم بمنحهم فرصة تلميع صورتهم الملطخة والمخضبة بالدم والعار، وتجييش وتهييج مواطنيهم بشكل مسترسل، ويضرنا لأنه من غير المعقول ولا المنطقي أن نقبل على أنفسنا أن نكون مطية وجسرا يعبره هؤلاء الصعاليك لتحقيق مآربهم الحقيرة والذنيئة بتلك القذارة.
ما قاله بايتاس وهو يصرح بل يلمح لهذه المقاطعة بقوله على أنه يلزم تغيير مقاربة التعامل مستقبلا، يجب أن يجسد كرويا بمقاطعة الظهور في الشان المقبل على أراضيهم لأنهم من الآن رفعوا شعاراتهم الموتورة والمعتوهة بجعل هذا الشان لعبة حياة أو موت، استنادا لكونهم يتربصون بحرمان منتخبنا من التتويج الثالث تواليا ويمثل هذا التحدي رهانا سيقاتلون لكسبه، لذلك ينبغي تصور هذا الوضع مع فئة مريضة حولت مباراة أطفال لمعركة، فما بالك وهم يستضيفون «الشان» الذي أكدوا أنه هدفهم المقبل وبأي تكلفة.
والله وحده يعلم إن شارك أسودنا المحليون في تلك البطولة، بأي نفسيات سيكونون، وقد شاهدوا أشبالهم ينكل بهم أمام مرأى من العالم، بالتأكيد سيقفون على حد التوتر مهما تنظفت عقولهم.
• إبلاغ الكاف والفيفا
علمنا أن لقجع واستباقا لما قد يكون عليه الوضع في مسابقات قارية مقبلة سواء تعلق الأمر بالمنتخبات أو الفرق المغربية، بادر للتحرك بأكثر من كيفية وقد أبلغ الكاف والفيفا مثلما نقل استياءه الكبير للإتحاد العربي لكرة القدم، وأنه رغم العقوبات المالية التي تم إنزالها في حق اتحاد الجزائر لكرة القدم، إلا أنه كان يتوقع عقوبات أكبر.
إبلاغ الكاف والفيفا وإن كان أمر المسابقات الأقليمية والجهوية لا يعني الإتحاد الدولي لكرة القدم يأتي في سياق احترازي أو استباق لمواقف مغربية مستقبلا ومنها مقاطعة محتملة لكل تظاهرة ستناط بالجزائر، ليس لفظاعة الأحداث وتلك المشاهد وإنما لضعف التنظيم وضعف التجهيزات والقصور التام والمطلق الذي أظهرته القوة الضاربة في تقديم نسخ تليق بانتظارات الكاف والفيفا وطموحات الجهازين معا.
لغاية الأسف نجحت بعض أبواق الفتنة في بلوغ مقاصدها من الإعلام المأجور الذي يخدم أجندات سياسية بهذا البلد، وقد دجنت وهيجت فئات واسعة من الجماهير الجزائرية لتضعها تحت ذراعها وجذبها لأطروحتها المقيتة.
وأيا كانت تلك المقاصد ونجاح هذا المخطط، فإنه ما يعنينا نحن هو أمر يرتبط ارتباطا وثيقا بمواقفنا، والتي ينبغي أن تتغير من الليونة والخنوع والإستكانة للشدة والصرامة ومقاطعة حضور تظاهراتهم وأعلى ما في خيلهم يسرجوه.