بنهاية وديتي الشيلي وباراغواي بطبعتهما اللاتينية، نأتي ويأتي معنا وليد الركراكي، لتقليب الأوراق وفرز المعطيات وترتيب المخرجات، والوقوف عند تلة عالية لنتأمل ونقرأ ثم نستنتج.
وبرغم أن نتيجتي الوديتين (فوز بالهدفين على الشيلي وتعادل أبيض أمام باراغواي)، لا تمثلان الفائدة المبحوث عنها في العادة، كلما تعلق الأمر بمباريات تجريبية، إلا أن لهما قيمتهما بحكم المستجد الذي عاش على إيقاعه فريقنا الوطني وهو يغير الربان الفني، تحت ضغط الحاجة لمشاهدة منتوج كروي مختلف، فالفريق الوطني احتاج إلى تقديم نفسه في صورة الفريق الذي سيذهب لكأس العالم منافسا لا ليكون جسر عبور للآخرين، وقد نكون مطمئنين للمحصلة الرقمية للوديتين، بحكم أن الفريق الوطني، لم يخسر أيا من وديتيه، وبحكم أنه أظهر مناعة دفاعية ومرمى ياسين بونو لم تهتز ل180 دقيقة من اللعب.
طبعا كان يهمنا، كيف سيعيش وليد الركراكي أيامه الأولى في جلباب الناخب الوطني، ولعله اختزل المشهد عندما قال في ندوته الصحفية التي سبقت مباراة باراغواي، أنه يشعر وكأن مطارق كثيرة تهوى على رأسه، وهي بالطبع مطارق تحديد الأولويات ومطارق إعطاء الفريق الوطني ما افتقده لثلاث سنوات مع وحيد ومطارق بناء النواة الصلبة وعدم التجني في الإختيارات على أي من اللاعبين 31 الذين استدعاهم للوديتين معا.
وأعتقد أن وليد وهو يركب قطارا فائق السرعة، ليصل إلى فهم ما يجري حوله، وفهم ماهية الناخب الوطني على أمل تذويب الفارق الزمني واختصار الطريق والعمل على بناء منظومة اللعب، استطاع أن يمسك بكثير من الخيوط، وكان أول تلك الخيوط، أنه لا مجال للحديث عن التجريب، إلا ما كان من وضع اللاعبين في مواقع مختلفة عن طبيعتهم لرصد ردات فعلهم كما كان الحال مع نصير مزراوي.
ولعل أكثر شيء فهمه وليد في صورة إكراه، تحت ضغط الزمان، هو أنه يجب الإستقرار على التشكيلة كما تصورها متطابقة مع الشاكلة التي تعود الفريق الوطني اللعب بها، وقد فعل، لأنه بدأ مباراتي الشيلي وباراغواي بنفس التشكيلة تقريبا، وإذا لم يحدث طارئ ما، فإن نفس هذا التشكيل سيدفع به وليد في مباراتنا المونديالية الأولى أمام كرواتيا، وهذا أمر جيد لأنه سيختصر عليه الكثير من الوقت، فلا خلاف على أن التركيبة الدفاعية ستكون هي نفسها، اللهم إذا ما أفلح نايف أكرد في العودة للملاعب واستعاد جانبا كبيرا من جهوزيته ليعود إلى موقع في قلب الدفاع إلى جانب العميد غانم سايس.
وكان واضحا أن أول بصمة وضعها وليد على مناخ الفريق الوطني، وفي هذه لم يحتج لوقت طويل، هي أنه مزق الحجاب النفسي البشع الذي نسجه وحيد خليلودزيتش، واختصر الكثير من الوقت على العائد حكيم زياش، وعلى اللاعبين الجدد (داري، صبيري، اشديرة) لكي يتنفسوا بطلاقة هواء العرين النقي، وبدا كل اللاعبين متحفزين، متحمسين ومتحمسين.
ولو نحن توغلنا في أغوار الوديتين، لوجدنا أن مشتركهما الكبير، هو أن الفريق الوطني وهو يلاقي منتخبين لاتينيين، كان في الغالب هو المتسيد والمتحكم، بل إنه بدا لاتينيا أكثر من الشيلي وبارغواي في التخيل والإبداع واستعراض مهارة المراوغة والتمويه، برغم أنه لم يقرن ذلك بسيرورة النجاعة الهجومية، فإن كان قد وجد طريقه مرتين للمرمى في مباراة الشيلي، فإنه ضلها في مباراة باراغواي، وهو ما يفرض التفكير في الآليات السريعة التي يمكن أن تمنح الفريق الوطني تلك الديمومة للنجاعة الهجومية، بحيث لا تظهر في مباراة وتختفي في آخرى، وهنا سيكون وليد بحاجة أولا وقبل كل شيء إلى تقييم عادل للاعبين ليس فقط في الوديتين ولكن في كل الحصص التدريبية التي خاضها الأسود طوال أيام المعسكر.
طبعا، نحن راضون بما شاهدنا وما استنتجنا، فعلى الأقل كان فريقنا الوطني في وديتيه صاحب شخصية وصانع مبادرة، ويكفي أن نرى ما فعله زياش، لنعرف كم كان وحيد أنانيا في تدبير خلاف حرمه من لاعب يأتي بالبدر في الليلة الظلماء.