في أمسية استثنائية حبست أنفاس الجماهير المغربية، وعلى أرضية الملعب الأولمبي بالرباط، اقتربت لبؤات الأطلس أكثر من أي وقت مضى، من تحقيق إنجاز تاريخي طال انتظاره، ومعانقة اول كاس قارية لهن في التاريخ، وهن ينهين الشوط الأول من النهائي، متقدمات على العملاق النيجيري بهدفين دون رد، وسط مدرجات مغربية تهتف بالأمل وتعيش حلم التتويج. لكن ما بدأ بوعد جميل انتهى بمرارة الخسارة، بعدما قلبت نيجيريا الطاولة في الشوط الثاني وخرجت فائزة بنتيجة 3-2، لتتبدد أحلام التتويج في اللحظات الأخيرة.
• البدايات الجميلة
كل شيء بدأ كما ينبغي. العميدة غزلان الشباك افتتحت التسجيل بتسديدة رائعة في الدقيقة 12 لتصل إلى الهدف الخامس لها في هذه النسخة، وهو ما منحها الحذاء الذهبي، تلتها لمسة ذكية من ابتسام اجريدي حولتها سناء امسودي إلى الهدف الثاني في الدقيقة 24 (ثاني هدف لامسودي في مرمى نيجيريا بعد الأول في نسخة 2022).
تفوق واضح في الانتشار، ضغط عال، وذكاء في استغلال المساحات. الشوط الأول كان مغربيا بامتياز، فنيا وذهنيا، وحتى جماهيريا. بدا أن الحلم يتحقق، وأن اللقب سيبقى في المغرب بعد نهائي مؤلم خسر فيه المنتخب النسوي النسخة الماضية أمام جنوب إفريقيا.
• كيف تغيرت المعادلة؟
لكن بين شوطي المباراة، تغيرت المعادلة. نيجيريا، صاحبة التاريخ الإفريقي الطويل، ظهرت بشكل مختلف تماما. تدخل المدرب جاستن مادوغو، وأعاد الروح إلى لاعباته. ضربة جزاء في الدقيقة 61 بعد لمسة يد من نهيلة بنزينة كانت نقطة التحول. قلصت النتيجة إلى 2-1، ثم جاء هدف التعادل في الدقيقة 71 بعد سوء تغطية دفاعية. الضغط النيجيري تواصل، ومع اقتراب صافرة النهاية، ومن كرة ثابتة في الدقيقة 88، خطفت نيجيريا الهدف القاتل الذي أنهى كل شيء.
المنتخب المغربي شهد تراجعا غير مفهوم في الشوط الثاني، سواء على المستوى البدني أو الذهني أو التكتيكي. الأداء الفردي لبعض اللاعبات انخفض بشكل ملحوظ، وفقد الفريق القدرة على التحكم في الإيقاع، ما فسح المجال أمام النيجيريات لاستغلال الفجوات والتفوق في الكرات المشتركة. بدا أن اللبؤات لم ينجحن في إدارة التقدم ولا في امتصاص الضغط النيجيري، وهو ما جعل فارق الذهنية واضحا في اللحظات الحاسمة.
وما زاد من مرارة الخسارة هو ما يمكن وصفه بـ"الظلم التحكيمي". إذ حرم المغرب من ضربة جزاء واضحة بعدما لمست الكرة يد إحدى المدافعات النيجيريات داخل منطقة الجزاء، ومع العودة لتقنية الفار، تم التراجع عن القرار في مشهد أثار الكثير من التساؤلات.
هذه التفاصيل التحكيمية ساهمت في كسر الإيقاع النفسي للبؤات، خاصة بعد احتساب ضربة جزاء سابقة لصالح نيجيريا أعادت الفريق المنافس إلى أجواء المباراة.
من جهته، أبان المنتخب النيجيري عن قوة ذهنية لافتة، فعلى الرغم من تلقيه هدفين في الشوط الأول، لم ينهر بل عاد تدريجيا إلى أجواء اللقاء، واستثمر ضربة الجزاء كمنعطف نفسي وتكتيكي، قبل أن يوجه ضربته القاضية في الدقيقة 88 من كرة ثابتة نفذت ببرود أعصاب كبير. هذه العودة تبرز الفارق في التعامل مع اللحظات الضاغطة، حيث غابت لدى اللبؤات القدرة على إدارة الفارق الزمني والنفسي بعد الهدف الأول النيجيري، وتشتت التركيز، فدفعت اللبؤات الثمن غاليا.
• تقدير ملكي
ورغم الخسارة، حظيت لبؤات الأطلس بتهنئة وتقدير ملكيين ساميين. فقد بعث صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، برقية تهنئة إلى أعضاء المنتخب الوطني المغربي النسوي لكرة القدم، حيى فيها الروح التنافسية والحس الوطني العالي الذي أظهرنه طيلة أطوار المسابقة. وقال جلالته: "فقد تتبعنا بكل اعتزاز مسيرتكن المتألقة في منافسات كأس أمم إفريقيا للسيدات (نسخة 2024)، والتي تكللت ببلوغكن للدور النهائي". وأضاف: "نود بهذه المناسبة أن نشيد... بتمثيل الرياضة النسوية الوطنية أحسن تمثيل"
ورغم كل ذلك، لا يمكن القول إن المنتخب المغربي فشل، إذ يعتبر بلوغ النهائي للمرة الثانية تواليا مؤشرا على تطور كبير، كما أنه هو ثمرة عمل لمشروع كرة القدم النسوية بالمغرب.
المدرب خورخي فيلدا عبر عن فخره بما قدمته اللاعبات، مشيرا إلى أن الفريق أظهر شخصية قوية وروحا عالية، وسجل هدفين في مرمى أقوى منتخبات القارة. وأكد أن المغرب كسب وجوها شابة ستكون ركيزة المستقبل.
• لبؤات محبطات
من جانبهن، أجمعت اللاعبات على أن الخسارة مؤلمة، لكنهن لن يتوقفن هنا.
غزلان الشباك، هدافة المسابقة، قالت إن المباريات النهائية تحسم على تفاصيل صغيرة، وضربة الجزاء النيجيرية قلبت مجريات اللقاء.
أما سكينة أوزراوي فأكدت أن الفريق سيواصل العمل، وأن الهدف الأسمى هو التتويج باللقب في النسخ القادمة. وعبرت خديجة الرميشي عن ثقتها في مستقبل المنتخب، رغم مرارة الهزيمة.
قد تكون الخسارة أمام النيجيريات ضربة قاسية، لكنها ليست النهاية. المشروع بدأ ينضج، والمنتخب صار منافسا حقيقيا على اللقب. التحدي الآن، ليس فقط في مواصلة العمل، بل في بناء الذهنية التي تحسم بها النهائيات وبها تنال الألقاب، فكرة القدم لا ترحم من لا يقتل المباراة حين تسنح له الفرصة. لبؤات الأطلس خسرن، لكنهن ربحن الاحترام واكتسبن دروسا سيستفاد منها حتما في المستقبل.
فهل تكون خيبة النهائي أمام نيجيريا بداية الصعود الحقيقي نحو التتويج القاري المنتظر؟
إضافة تعليق جديد