وسط الأضواء التي أضاءت سماء كرة القدم النسوية المغربية في السنوات الأخيرة، تخيم اليوم غيوم من التأمل والحذر في سماء مسيرة جيل من اللاعبات الذهبيات اللواتي شكّلن عماد لبؤات الأطلس، وقُدن المنتخب إلى إنجازات غير مسبوقة قاريا ودوليا. 

ثلاث لاعبات يتقدم بهن العمر، ويحملن فوق أكتافهن تاريخا من المجد، يقتربن من محطة قد تكون الأخيرة في مشوارهن، وهن غزلان الشباك (34 سنة)، خديجة الرميشي (35 سنة)، ابتسام اجرايدي (32 سنة).. 

أسماء ترمز لأكثر من مجرد لاعبات كرة قدم، بل لأيقونات وطنية ألهمن جيلاً كاملاً.

• الشباك... الأسطورة التي لا تذبل

إنها قائدة القلوب قبل أن تكون عميدة المنتخب. منذ انضمامها إلى المنتخب المغربي سنة 2007، شكلت غزلان الشباك العمود الفقري للفريق الوطني. سيدة الأرقام القياسية، التي حققت مع الجيش الملكي 11 لقب بطولة و10 كؤوس للعرش ولقب عصبة أبطال إفريقيا، يباغتها العمر اليوم لتجد نفسها على مشارف الإعتزال.

بأدائها البطولي في كأس أمم إفريقيا 2024، حيث تصدرت لائحة الهدافات وسجلت "هاتريك" أمام الكونغو الديمقراطية، أكدت الشباك أنها لا تزال الرقم الصعب في معادلة الهجوم الإفريقي. لكنها في نفس الوقت، تعترف ضمنياً بأن اللحظة التي "قد تكون الوداعية" باتت أقرب من أي وقت مضى.

• الرميشي... من الانتقاد إلى البطولة

إنها الحارسة التي تجسّد معنى الإصرار والتحدي. خديجة الرميشي، بعد مسيرة ممتدة منذ الطفولة في شوارع خريبكة، تعرضت لانتقادات لاذعة في بداية المسابقة بسبب أخطاء غير معتادة، عادت لترد بأفضل طريقة، تصدٍ حاسم في نصف النهائي أمام غانا قاد المغرب إلى النهائي.

خديجة، التي توجت بـ33 لقباً مع الأندية والمنتخب، تبدو قريبة من إسدال الستار على مسيرة صنعت فيها التاريخ، من حارسة مغمورة إلى أيقونة في الشباك المغربي والإفريقي.

• اجرايدي... هدافة الأحلام  

ابتسام اجرايدي، أول مغربية وعربية تسجل في كأس العالم للسيدات، صنعت مجداً كروياً بأهدافها ومهاراتها الفريدة. بين إحرازها لقب هدافة البطولة المغربية خمس مرات، وقيادتها الأهلي السعودي للتتويج بالكأس مرتين متتاليتين، حافظت على حضورها الوازن في الساحة العربية.

اليوم، واصلت التألق في الكأس الإفريقية، حيث اختيرت ضمن التشكيلة المثالية في، لكن سنها (32 سنة) والجهد المضني للمنافسة على أعلى المستويات يضعان مستقبلاً غامضاً أمام إمكانية استمرارها طويلاً.

• الإعتزال.. حزن واحتفال

الحديث عن اعتزال هذا الجيل لا يحمل طابع الحزن فقط، بل هو أيضاً احتفاء بمسيرة ملهمة، حوّلت كرة القدم النسوية من حلم هامشي إلى واقع يملأ الملاعب ويشعل الحماس الجماهيري. 

جيل الشباك والرميشي واجرايدي، هو جيل تحوّل إلى مرجعية فنية وأخلاقية لكل لاعبة صاعدة. 

ورغم أن الحلم انتهى في نهائي كأس أمم إفريقيا 2024 بخسارة قاسية أمام منتخب نيجيريا بنتيجة 3-2، فإن ما قدمته اللبؤات وعلى رأسهن هذا الجيل المخضرم يرقى إلى مستوى المسابقات الكبرى. فلم يكن المشوار مجرد سباق نحو الكأس، بل كان رسالة هوية وعزيمة، أكدت أن المغرب بات رقماً صعباً في الكرة النسوية الإفريقية.

قد لا تكتمل القصة بتتويج، لكن ما سُطّر على أرضية الملعب سيظل محفوراً في الذاكرة الجماعية لجمهور آمن، وما يزال، أن المجد لا يقاس فقط بالنتيجة… بل بالأثر.