جاء التعاقد مع الإسباني خورخي ڤيلدا كصفقة من العيار الثقيل، في وقت كانت فيه الجماهير المغربية تتطلع الى مرحلة جديدة من التطور والنجاح بعد عهد الفرنسي رينالد بيدروس. فيلدا الذي قاد منتخب إسبانيا النسوي إلى التتويج بكأس العالم 2023 في أستراليا ونيوزيلندا، بدا وكأنه الخيار الأمثل لقيادة مشروع "لبؤات الأطلس" نحو العالمية، وتحقيق الألقاب القارية المنتظرة. 

• بداية متعثرة

عين خورخي ڤيلدا مدربا للمنتخب المغربي النسوي في أكتوبر 2023، بدعم مباشر من الجامعة الإسبانية التي زكته بعد إقالته من منصبه على خلفية القضية الشهيرة المتعلقة بقبلة رئيس الجامعة لويس روبياليس للاعبة جينيفر هيرموسو. وبالرغم من الجدل الذي أحاطه، فإن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم رأت فيه فرصة لا تعوض لتأطير الجيل الجديد من اللاعبات، والاستفادة من خبراته الدولية الواسعة التي بدأت من تدريب فئات الشابات في إسبانيا، مرورا بتوليه المنتخب النسوي الأول في 2015، وحتى تتويجه بالذهب العالمي في أستراليا ونيوزيلندا سنة 2023. هذه التجربة جعلت منه مرشحا قويا لقيادة أي مشروع نسوي طموح، وكان المغرب من بين الدول التي اقتنعت بأن خبرته قادرة على إحداث نقلة نوعية في كرة القدم النسوية الوطنية.

التوقعات كانت كبيرة، خاصة بعد أن بلغ منتخبنا الوطني نهائي كأس أمم إفريقيا 2022، وتأهل إلى الدور الثاني من كأس العالم 2023 تحت قيادة بيدروس. الجميع كان يترقب أن يرفع فيلدا السقف، إلا أن النتائج جاءت مخيبة للآمال. 

• إخفاقات تلو إخفاقات

في غضون أشهر، وجد ڤيلدا نفسه في مرمى نيران الانتقادات. فشل أولا في قيادة المنتخب للتأهل إلى أولمبياد باريس 2024، ثم خرج من كأس العالم لأقل من 20 سنة بشكل باهت من الدور الأول، رغم المجهودات الكبيرة التي بذلت من أجل إعداد المنتخب. لكن الضربة الأكبر جاءت في نهائي كأس أمم إفريقيا للسيدات 2024، حين ضاع لقب كان في المتناول، بعد الهزيمة امام منتخب نيجيريا.

ورغم التقدم بثنائية في الشوط الأول، إلا أن سوء إدارة المباراة، خاصة في الشوط الثاني، كلف المغرب خسارة اللقب على أرضه، وهذا ما فتح باب الشكوك حول قدراته التكتيكية في حسم اللحظات الصعبة. 

• راتب ثقيل ونتائج باهتة

راتب فيلدا المرتفع، حيث يقدر بـ400 ألف أورو سنويا، إضافة إلى المكافآت. مبلغ ضخم دائما ما يجعله عرضة للانتقادات كلما تعثر المنتخب.

• مقارنة ثقيلة بظل بيدروس

لم يكن فيلدا بمنأى عن المقارنات مع سلفه رينالد بيدروس، الذي ترك بصمة واضحة في مسيرة المنتخب النسوي المغربي، إذ نجح في بناء منتخب تنافسي وصل معه إلى نهائي كأس أمم أفريقيا 2022 وحقق إنجازا تاريخيا بالتأهل إلى الدور الثاني لمونديال أستراليا ونيوزيلندا 2023. كما تميزت فترة بيدروس بعلاقة متينة مع اللاعبات، تقوم على الثقة والانفتاح، مما جعله شخصية محبوبة ومرحبا بها داخل أوساط الفريق وخارجه.

أما ڤيلدا، فقد واجه تحديات مختلفة، كان بعضها مرتبطًا بالتجربة السابقة في إسبانيا، حيث أثيرت حوله بعض التساؤلات بشأن طبيعة علاقته باللاعبات. رغم عدم ظهور خلافات علنية داخل المنتخب المغربي، فإن أجواء الجدل المحيطة به أسهمت في خلق تصور معين عن شخصيته التدريبية، قد ينظر إليه في بعض الأوساط على أنه أكثر تشددا وحسما، وهذا ما أثار نقاشا حول تأثير ذلك على ديناميكية الفريق. 

• ڤيلدا... المدرب الذي طارده ماضيه؟

لا يمكن إنكار أن فيلدا مدرب كفء من الناحية المهنية. فقد قاد إسبانيا في ثلاث كؤوس عالم، وتوج باللقب 2023 في واحدة من أقوى النسخ على الإطلاق. لكن فترته الأخيرة في إسبانيا كانت مليئة بالعواصف.

تمرد اللاعبات، ثم الأزمة الأخلاقية التي تورط فيها عبر دعمه العلني لرئيس الجامعة الإسبانية رغم الفضيحة، كلها أمور أضعفت صورته وجعلت بقاءه في أوروبا أمرا مستحيلا تقريبا.

حين وجد فرصة ثانية في المغرب، بدا وكأنه يريد فتح صفحة جديدة مع فريق طموح يسعى للارتقاء الى مستوى التطلعات.

 • ما بعد الإخفاق.. قرار يحتاج للشجاعة 

اليوم، تجد الجامعة الملكية المغربية نفسها أمام خيارين: إما الإبقاء على فيلدا ومنحه فرصة ثانية في أفق الاستعداد لكأس العالم 2027، أو إنهاء الارتباط معه وفتح الباب أمام مرحلة جديدة.

القرار لن يكون سهلا، خاصة أن مشروع الكرة النسوية أصبح من ركائز الاستراتيجية الوطنية لجامعة كرة القدم، ويحتاج إلى استقرار تقني، لكن أيضا إلى نتائج ملموسة.

• هل يستحق ڤيلدا البقاء؟

رغم المسار التدريبي الحافل الذي جاء به ڤيلدا، إلا أن فترة إشرافه على "لبؤات الأطلس" لم تكن خالية من علامات الاستفهام. ضعف الأداء في المحطات الكبرى، وفشل بلوغ الأهداف المرسومة، فضلا عن الضغط الإعلامي والجماهيري، كلها عوامل تجعل استمراره موضوع نقاش واسع.

ورغم وجود الكفاءة التقنية، فإن السؤال المطروح:

هل لا يزال ڤيلدا يملك القدرة على قيادة لبؤات الأطلس في مرحلة جديدة، بنفس الثقة والطموح؟

الإجابة ستحدد الموقف وبناء قرار عليه سيبنى المستقبل.