لو نأتي للحديث عن مباراة فريقنا الوطني أمام مالي، بمعزل عن كل التأثيرات، بخاصة منها العاطفية، التي تصور التعادل أمام مالي، على أنه خسارة، وتجعل من الأداء الذي ميز الأسود عتمة شك جديدة تخترق القلوب، سنقف على عديد الحقائق، التي مر بعضها على وليد الركراكي، وما قرأها بشكل جيد، أو لم يستوعبها فكره، وبعضها الآخر يبرز اليوم في هذا التوقيت بالذات، ليختبر قدرة وليد على الإنصات إليها، لأنها أتته في صورة محاذير قوية.

بقدر ما يبدو التعادل في مباراة مالي مؤلما، لأنه سيفرض على الأسود مواجهة زامبيا بخيار الفوز لتأمين الصدارة، وقد كان ممكنا ذلك عند مواجهة النسور، بقدر ما يجب أن نكون سعداء بالنقطة، من منظور ما عرضتنا مرتدات الماليين في نهاية المباراة لخطر الهزيمة، التي كان سيكون وقعها النفسي قبل الرقمي مؤلما للغاية.

فائدة النقطة التي جنيناها أمام مالي، هي نفسها الفائدة التي حصل عليها وليد والإنكسار يحدث في مباراة عن دور المجموعات، لأنه لا قدر الله، إن نحن لعبنا بذات الطريقة وبذات المقاربة التكتيكية أمام أي خصم في دور خروج المغلوب، ستكون الطامة أكبر بإقصاء كارثي يحطم في المغاربة الحلم والأمل بوضع اليد على الكأس الإفريقية الثانية.
فضلت أن أكون من البداية إيجابيا، لكنني بالقطع لأن ألجأ لمقولة "رب ضارة نافعة"، للتغطية على هذا العرض الفني المحبط خلال مباراتنا أمام مالي، فما بدا واضحا أن عيوبا كثيرة ظهرت، وأكثرها لا يستساغ، لأنه جرى التحذير منها، فمع إغراق وليد في ترتيب وديات أمام منتخبات من المستويين الثالث والرابع، إعتقادا منه أن أكثر المنتخبات التي سيواجهها في كأس إفريقيا للأمم، ستلعب بالكتلة المنخفضة، بالغ في تجريب اللعب ضاغطا، وأبدا لم يتهيأ لسيناريوهات مختلفة، كالتي فرضها علينا منتخب مالي وهو يلعب بكتلة متوسطة، وأحيانا بالضغط العالي.

لا خلاف على أننا أدرنا الشوط الأول من المباراة بطريقة جيدة، تقدمنا بهدف ابراهيم دياز، أهدرنا فرصة تهديف لامعة من إسماعيل الصيباري، وعندما لم ننجح في دعم التفوق من بداية الشوط الثاني بالرأسية التي ضاعت من الكعبي، شعرنا أن المنتخب المالي، سيتحرك بحثا عن هدف التعادل، لأنه الخيار الوحيد للإبقاء على آمال التأهل.
ولأننا غامرنا بالإنجرار بل والإنجراف إلى الشكل الذي يريده الماليون للمباراة، معركة شرسة بوسط الميدان قوامها الإلتحامات البدنية الرهيبة، فإننا سنفقد تدريجيا هويتنا القائمة على التمرير السريع للكرة، وبخاصة عدم التسرع في هذا المبنى، لأن من يبحث عن الكرة كالثور الأهوج كان هو منتخب مالي، والنتيجة أن الفريق الوطني لانتكاسة تكتيكية، سيأتي ما هو أفظع منها.
ما كان فظيعا، أن وليد سيقدم في الدقيقة 70 من المباراة، بعد ست دقائق من إدراك المنتخب المالي للتعادل من جزاء "بليد" تسبب فيه تهور واضح لجواد يميق، على ثلاثة تبديلات دفعة واحدة، سحب من المباراة أوناحي، ابراهيم والكعبي، ليعوضهم بالنصيري، الزلزولي والخنوس، ولا أحد منا فهم المغزى من هذه التبديلات، وقد استهدفت على الخصوص لاعبين من أنشط العناصر وأكثرها تميزا وجودة في معاكسة الجانب الخططي المالي، أوناحي وبدرجة أكبر ابراهيم دياز.
وأكدت المباراة، في دقائقها الثلاثين الأخيرة باحتساب الوقت بدل الضائع، أن وليد الركراكي قدم هدية لمدرب مالي، بأن حرم نفسه من سلاح قوي، وسمح لخصمه بأن يتقوى، بإحلال نسور ماليين جدد، كانوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق كل نقاط المباراة.
نهاية، لا تبدو النقطة سيئة في ظل ما كانت عليه المباراة وما أظهره وليد من تهور في إدارتها، ولا يبدو التعادل كارثيا حتى لو كان بطعم الهزيمة، لأن الخسارة مرت بمحاذاة الأسود، وما نحن مجبرون عليه اليوم، أن نفوز بمباراة زامبيا هذا الإثنين، وذاك خيار لن نكسبه إذا لم نفرض شخصيتنا ونبرز هويتنا ونكف عن ارتكاب الحماقات التكتيكية عند إدارة المباراة.