عن عمر يناهز السبعين سنة توفي اليوم الثلاثاء، الفرنسي هنري ميشيل أحد مشاهير عالم كرة القدم، وأحد من تقاسم المغرب إبداعاته في مجال التدريب مع بلده فرنسا ومع دول أخرى إفريقية وأوروبية، وقد قاوم هنري ميشيل المحب للحياة والمقبل عليها، قدر ما يستطيع المرض اللعين الذي حال بينه وبين إتمام مشوار تدريبي بدأ على نحو رائع مع المنتخب الأولمبي الفرنسي المتوج بذهبية أولمبياد لوس أنجليس 1984، وتواصل بمسار شبه أنطولوجي مع أسود ألأطلس توج بتأهل لنهائيات كأس العالم، وكان سيكون ملحميا لو لم تحدث أشياء هي محسوبة اليوم على التاريخ الأسود لكرة القدم العالمية، إلا أن إرادة الله كانت أقوى فغيب بذلك الموت قطبا من أقطاب كرة القدم العالمية، من أعطى بسخاء لكرة القدم الوطنية من خلال الفريق الوطني الذي أشرف عليه على فترتين ومن خلال الرجاء البيضاوي الذي قاده للفوز بكأس الكونفدرالية الإفريقية.
 هنري أسطورة نانط
لأنه من مواليد مدينة إيكس أون بروفانس يوم 28 أكتوبر 1947، فإن مشواره الكروي سيبدأ مع ناديه الأم «إيكس أون بروفانس» الذي لعب له في الفترة ما بين 1964 و1966، لتلتقطه عيون نادي نانط فتجلبه لصفوف فريقها سنة 1966، ولتنشأ قصة عشق فريدة من نوعها بين هنري ميشيل والفريق الكناري، ذلك أن من سيصبح من أشهر لاعبي وسط الميدان بأوروبا، سيخلص لنانط ويلعب لها لمدة 17 سنة إلى غاية اعتزاله اللعب سنة 1982.
واعتبارا لهذه المدة القياسية التي قضاها هنري ميشيل مع نادي نانط والتي توجها بالفوز بلقب البطولة الفرنسية ثلاث مرات سنوات 1973 و1977 و1980 وبالفوز مرة واحدة بكأس فرنسا سنة 1979، سيتحول هنري إلى أسطورة حية بمدينة نانط وسيقترن إسمه بالزمن الجميل للفريق الذي يلقب بالكناري بالنظر للألوان التي يحملها.


 سقاء الديكة
لقد سمحت الميزات الرائعة التي كان يتمتع بها هنري ميشيل كوسط ميدان سقاء بمواصفات بدنية وفنية عالية جدا، بأن يصبح من العناصر الأساسية للمنتخب الفرنسي.
وسيبدأ هنري ميشيل مشواره مع الديكة سنة 1967 ليتواصل إلى غاية سنة 1980، ما كان يعني أن أسطورة نانط شغل مساحة زمنية مهمة في تاريخ المنتخب الفرنسي، إذ لعب له ما يقارب 14 سنة (58 مباراة و4 أهداف). وكانت أقوى لحظة عاشها هنري ميشيل مع المنتخب الفرنسي هي تأهله لنهائيات كأس العالم 1978 بالأرجنتين، وهو المونديال الذي سيمهد للعودة القوية للكرة الفرنسية على المسرح العالمي، والتي سيكون هنري ميشيل أحد رموزها.
 يضع الذهب الأولمبي على صدر فرنسا
مع اعتزاله اللعب سنة 1982 وبالنظر إلى السنوات 13 التي قضاها حاملا للقميص الفرنسي، فإن الإدارة التقنية الفرنسية ستسارع إلى ضم أنجح لاعبي وسط الميدان وقتذاك لفريق العمل، إذ سيتولى هنري ميشيل مهمة مساعد للناخب الفرنسي ميشيل هيدالغو الذي قاد المنتخب الفرنسي لبلوغ نصف نهائي كأس العالم 1982، وفي ذات الوقت ستسند له مهمة  تدريب المنتخب الأولمبي الفرنسي ما بين 1982 و1984، وقد كانت هذه التجربة الأولى كافية لإظهار مهارات لاعب نانط السابق، إذ سيقود المنتخب الفرنسي الأولمبي إلى الفوز بذهبية أولمبياد لوس أنجليس سنة 1984، بعد الفوز في النهائي التاريخي على المنتخب البرازيلي.
وخلفا لمعلمه الأول ميشيل هيدالغو سيتولى هنري ميشيل سنة 1984 مسؤولية تدريب المنتخب الفرنسي الأول الذي سيقوده إلى نهائيات كأس العالم وإلى تكرار إنجاز سنة 1982، ذلك أن المنتخب الفرنسي سيجدد خلال مونديال 1986 بالمكسيك وصوله لنصف نهائي كأس العالم بعد ملحمة كروية رائعة.
 هنري يصل إلى عرين الأسود
بحلول سنة 1988 سيصبح هنري ميشيل مديرا تقنيا فرنسيا لمدة سنتين قبل أن ينسحب من هذه المهمة ليعود مجددا لمجال التدريب مشرفا على نادي باريس سان جيرمان سنة 1990، وهي التجربة التي لم تكلل بالنجاح، إذ قضى هنري ميشيل سنة واحدة مع الفريق الباريسي لينسحب من المشهد.
بعد ثلاث سنوات سيعود هنري ميشيل مدربا للمنتخب الكامروني سنة 1994 ثم سيعرج على نادي النصر السعودي سنة 1995 قبل أن تبدأ مغامرته مع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
مع اقصاء الفريق الوطني من نهائيات كأس إفريقيا للأمم 1996 على يد المنتخب الإيفواري، ستقيل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم المدرب البرازيلي نونيز ويتم التعاقد مع الفرنسي هنري ميشيل ليبدأ رحلة البناء الجديد.

ADVERTISEMENTS


هنري يقود الأسود لمونديالهم الرابع
إحتاج هنري ميشيل لسنتين من الإعداد والتحضير ليقدم لكرة القدم الوطنية منتخبا وطنيا متكاملا ومتجانسا وحاملا لشخصية تقنية فريدة من نوعها، منتخب مشكل في الغالب من اللاعبين الممارسين بالبطولة الوطنية من أمثال: نورالدين نيبت، عبد الكريم الحضريوي، الطاهر لخلج، يوسف روسي، يوسف شيبو، سعيد شيبا، صلاح الدين بصير، كماتشو وآخرون...
تمكن المنتخب المغربي في مسار بلا خطإ من عبور حاجز التصفيات الذي أنهاه بفوز تاريخي على منتخب غانا ليحقق التأهل الرابع من نوعه لنهائيات كأس العالم 1998 بفرنسا.
وقبل أن يدخل أسود الأطلس مع مدربهم هنري ميشيل الإختبار المونديالي مروا بمحاذاة إنجاز كبير على مستوى نهائيات كأس إفريقيا للأمم 1998 ببوركينا فاسو عندما سقطوا بشكل غير متوقع أمام منتخب جنوب إفريقيا، إلا أن ذلك لم يثن من عزيمة الفريق الوطني ومن طموح هنري ميشيل الذي حضر الأسود بشكل يتطابق مع قيمة الحدث العالمي، كيف لا وهو الذي عاش أجواء المونديال لاعبا وناخبا وطنيا.
 مونديال فرنسا الحلم المبثور
بمونديال فرنسا سيضع الفريق الوطني بصمة رائعة برغم أنه تواجد في مجموعة قوية، فقد استهل المشوار بتعادل أمام المنتخب النرويجي (2ـ2) وخسارة منطقية أمام المنتخب البرازيلي (0 ـ 3) وفوز كبير علي المنتخب السكوتلاندي بثلاثية نظيفة. وعلى وقع الفرح الكبير بهذا الفوز التاريخي سيصدم هنري ميشيل ولاعبوه بسماع خبر إقصائهم من الدور الأول بعد أن حقق المنتخب النرويجي فوزا كان يعتبر مستحيلا على المنتخب البرازيلي ليتأهل الإثنان إلى الدور الثاني بعد مباراة تحشر في قائمة المباريات «سيئة السمعة» في تاريخ كأس العالم.
وأبدا لا يمكن أن ننسى أن هذا الحضور القوي للفريق الوطني على الساحة العالمية والقارية جعله يحشر في قائمة أقوى المنتخبات العالمية بدليل أن الفريق الوطني وصل وقتذاك إلى المرتبة 13 عالميا.
وسيواصل هنري ميشيل مشواره مع الفريق الوطني إلى غاية سنة 2000 سنة العودة من نهائيات كأس إفريقيا للأمم بغانا ونيجيريا مقصيا من الدور الأول ليعلن استقالته بسبب ما أسماه وقتذاك بالذبح الإعلامي.
وبعد أن خاض تجارب مع المنتخب الإماراتي (2000 ـ 2001) ونادي أريس اليوناني (2001 ـ 2002) والمنتخب التونسي (2001 ـ 2002) سيعود هنري ميشيل إلى المغرب ولكن هذه المرة كمدرب للرجاء البيضاوي الذي سيتولى قيادته ما بين فبراير 2003 ومارس 2004 ويتوج هذا المشوار بالفوز بكأس الكونفدرالية الإفريقية سنة 2003.


- عودة يائسة لعرين الأسود
عاود إذن هنري ميشيل الترحال فأصبح سنة 2004 مدربا للمنتخب الإيفواري الذي سيقوده للتأهل لنهائيات كأس العالم لأول مرة في تاريخه خلال مونديال 2006 بألمانيا، كما سيقوده للعب نهائي كأس إفريقيا للأمم سنة 2006 بمصر والذي خسره أمام فراعنة النيل.
وسيحول هنري ميشيل وجهته صوب الخليج العربي، حيث تولى سنة 2006 تدريب النادي العربي القطري ثم أشرف سنة 2007 على تدريب نادي الزمالك المصري، وفي ذات السنة سيعود هنري ميشيل إلى المغرب ليشرف على المنتخب الوطني ويؤهله لنهائيات كأس إفريقيا للأمم 2008 بغانا، إلا أن خروج الفريق الوطني من الدور الأول سيعجل برحيل هنري ميشيل، الذي سيتولى بعد ذلك تباعا تدريب كل من ماميلودي صن داونز الجنوب إفريقي (2008 ـ 2009) والزمالك المصري (2009) والرجاء البيضاوي (2010) ومنتخب غينيا الإستوائية (2010 ـ 2011) ليكون خاتمة مشواره التدريبي الإشراف على منتخب كينيا سنة 2012.
 نعم الرجل أنت يا هنري..
كثيرة هي الخصال الإنسانية قبل التقنية والإبداعية التي كان يتمتع بها الراحل هنري ميشيل والتي جعلته يحظى باحترام وتقدير كل من عمل إلى جانبه، ولئن طلبنا شهادات حية من نجوم كرة القدم الوطنية الذين عملوا تحت إمرة هنري ميشيل، فإننا بالتأكيد سنقف على الوجه الإنساني المشرق لهذا الرجل الذي كان يحمل صفات المربي والموجه والغيور، فكثير من اللاعبين المغاربة على الخصوص يدينون في مشاويرهم الرياضية القوية والكبيرة بالفضل لهنري ميشيل الذي كان لهم الناصح والمساعد والمدعم، إضافة إلى أنه كان واضحا ومباشرا وصادقا في نقده لنفسه ولمن يحيط به.