في أول ظهور لأسود الأطلس لما بعد المونديال، تأكد بالملموس قدرة الرجل الأول هيرفي رونار على صناعة جيل قادم يؤسس نفسه لدخول نظام المجموعة القائم على شخصية الفريق بروح الجماعة والأسرة الواحدة واللقاء الحميمي الذي طال أمده منذ يونيو الماضي. وفي أول ظهور للفريق الوطني تملك رغبته في الفوز بدون قراءات مسبقة للخصم أيا كان موقعه وسحقه رقما واداء ولحمة.

ملامح المونديال لا زالت قائمة 
بقراءة عامة لحيثيات الفوز المغربي الكبير على المالاوي وباحترام السجل التاريخي الدائم للمغاربة على نفس الخصم، يظهر أن ملامح المونديال التي قدم فيها الأسود شخصيتهم وهويتهم أمام كبريات المنتخبات العالمية، تجسدت مجددا على المالاوي وبدون مركب نقص ولا إستهانة إحتراما للقناعات التي يفرضها المدرب هيرفي رونار نهجا وإستراتيجية وتلاحما وروحا جماعية. وبدا المنتخب المغربي برغم جديد إشراك عناصر جديدة لأول مرة حتى ولو كانت دائما في اللائحة العامة للفريق الوطني (بونو – ايت ناصر – فجر مزراوي – اكرد) سخيا ووفيا لشخصيته الجماعية والروحية مع إرادة الفوز أيا كان هاجس أي خصم سواء كان منتخبا عاديا أو قويا. وشاهدنا جميعا كيف كتب الأسود قصتهم مع الفوز الكبير وكاد يكون ثقيلا للفرص التي أبدع فيها الرجال صناعة وفعالية. 

التنافسية تسكت الأفواه 
 وعندما يجبر الفريق الوطني خصمه المالاوي على عدم التقدم والسيطرة على النزال وفك كل ألغازه الهجومية التي يعتد بها من طرف وجوهه المعروفة والمحترفة بجنوب إفريقيا والموزمبيق، يكون قد تحكم معنويا واستراتيجيا في أصل الفوز الذي يمنحه الثقة بالنفس والعودة إلى طليعة المجموعة التي تتربع فيها الكامرون، وعندما فاز الأسود على المالاوي بالحصة الكبيرة فلأنه تمسك بالإرادة والرغبة في الفوز وتمسك فوق ذلك بإقفال المنافذ التي يمر منها المالاوي لأنه كان أصلا قادما من أجل خلق المفاجأة. ولكن نجاعة الفريق الوطني الدفاعية والهجومية أجهضت فعالية المالاوي وإن كان خلال الشوط الثاني مزعجا على النقيض من الشوط الأول. صحيح أن البعض سيقول أن المالاوي كان خصما هشا، ولكن من وضع هذا الخصم في حجمه الهش هو الفريق الوطني الذي سيطر من دون توقف من البداية إلى النهاية وكأنه جائع منذ مدة طويلة. وعلى مستوى التنافسية التي وإن كانت غير حاضرة في جعبة كثير من الدوليين رغم إنطلاق البطولات الأوروبية في أقل من شهر، فقد غيرت منطوق كل التصورات وعززت موقع الأسود بحجم نزال لم يهدأ فيه كل اللاعبين وكأنهم يلعبون أصلا مع فريقهم رغم أنهم إحتياطيون من قبيل حكيمي والنصيري وأمرابط والأحمدي وسايس ودرار وأيت ناصر. وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن اللاعبين أظهروا لنا جميعا تلك الوصفة التنافسية المتكاملة وهم لا يلعبون إلا لماما.

بونو .. الثقة الثانية 
جميل جدا أن يأخد ياسين بونو الثقة الكبرى في العرين ليحرج الحارس الأول منير المحمدي أيا كانت القراءات التي تخلف عنها منير لأسباب قد تكون إختيارية للمدرب أو إلى الإشارة التي التقطها من التصريحات الأخيرة لمنير مفادها أنه سأتي للفريق الوطني في المباريات التي يريدها ما أغضب فعلا الناخب الوطني لمثل هذه التصريحات ما إذا كانت صادقة أم لا، وربما كان دافع ذلك هو وضع المحمدي في الإحتياط ومنح المبادرة لياسين بونو الذي قدم لقاء جيدا وحرص على نقاوة مرماه وأنقد مرماه في مناسبتين حسب فرص المالاوي المتاحة. وبذلك يؤكد بونو أحقيته في المجموعة التي كان حاضرا فيها بالمونديال ولكنه اليوم بإشارة الحارس الرسمي في مباراة المالاوي. وهي نقطة جد ممتازاة يسجلها بونو في مشواره ما بعد المونديال .

أحصنة الأسود في المونديال لم تتغير ولكن 
الحصان الدفاعي المشكل في المونديال بين درار وحكيمي وسايس في غياب بنعطة، وبرغم العطالة التنافسية التي يعيشها كل من حكيمي وسايس مع حضور نسبي لدرار في بطولة تركيا، شاهدنا هؤلاء بقناعات جد محترمة على مستوى التنزيل الدفاعي الصارم وعلى مستوى التنشيط الهجومي من الأطراف بين حكيمي ودرار الأكثر شيوعا في تملك الكرة وبنائها الإستراتيجي على مستوى الكرات العرضية أو التمرير الملتهب الذي كرسه حكيمي في مباراة مشهود له فيها جمالية أدائه ومشهود له بالكرة الحاسمة التي قدمها للنصيري بالهدف الثاني . إلا أن روعة الجديد الذي حمله رونار في الغياب  الطارئ لداكوستا المصاب، هو إشراك الدولي يوسف أيت بناصر كمدافع أوسط على غير العادة التي يلعب فيها مع موناكو كرجل وسط إرتداد، ونجح الرجل في إمتلاك هذه الخطوة الرائعة لسد فراغ بنعطية وداكوستا على مستوى الرجل اليمنى التي تشغل هذا الدور. وفعلا نجح أيت بناصر في بلورة دوره كما يجب وبانسجام وثيق مع سايس علما أن النصيري لم يشارك في المونديال وأسقط وقتها من اللائحة لأنه كان مصابا. وبحضوره حل مشكلة خط الدفاع بامتياز رغم أنه ولحد الآن لعب فقط مباراة واحدة مع موناكو، وبخروجه في الدقيقة 83 منح التزكية لنايف أكرد ليأخذ المبادرة والمشعل الجديد كخلف يدخل دائرة توسيع القاعدة.

الوسط المقاتل يقدم الرسالة المونديالية 
ورغم أن بوصوفة قدم للمنتخب كقيدوم بدون تنافسية، فلم يدخل النزال أصلا لإحترام مواثيق الكرة الدالة على التنافسية والإنتماء الأصلي لفريق ما. صحيح أن رونار كان محقا فيما يراه لائقا للفريق الوطني على مستوى الشخصية وروح الجماعة والإحتكاك برجال الخبرة من قبيل الإحتفاظ ببوصوفة في التشكيل العام حتى ولو لم يلعب ولكنه شكل رجل المواقف الجماعية لمنح تلك اللحمة المنتظرة، إلا أن هذا الغياب لم يشكل أثرا ملموسا لبوصوفة مع إحضار فيصل فجر الذي شكل مع الأحمدي ثنائيا منظما ومقاتلا على المستوى الدفاعي وانسياب هجومي أمام الوصفات الهجومية التي قدماها على مستوى التهديد أو القذائف المباغثة أو العمليات البنائية مع بلهندة وزياش. وبالفعل كان معا رجلي القوة الضاربة في قص ريش المالاوي على مستوى المبادرة والضغط على اللاعبين واستغلال أخطائهم. وشاهدنا كيف كانا ينزلان معا إلى التنشيط الهجومي وكيف كانا معا يرتدان على وجه السرعة دون أن يظهر عليهما العياء مطلقا وبخاصة فيصل فجر الذي قدم لنادي كون أربع مباريات جميلة بالبطولة الفرنسية. 

بلهندة وزياش .. لإمتاع والرعب 
بلهندة وزياش إعتبرا فعلا صناع الفرجة التلقائية للبناء الهجومي، وتعاملا مع المباراة وكأنها مونديالية في الأداء والحرص على التلاحم والتناغم مع إسقاط الأنانية في معالجة العمليات. وظهر الرجلان في موقع سخي وصعب في اجتياز العقبات والأرجل لأنهما كانا متابعين من العسس المالاوي، ومع ذلك فك زياش اللغز الأول بسرعة النسر ليوقع الهدف الأول ويواصل زحفه المطلق طيلة مباراة لم يشعر فيها بالعياء مؤكدا سيطرته على العرين المالاوي مهددا بكثير من القذائف التي أرعبت الحارس، ومرسلا الكثير من الإمضاءات إلى أمرابط وحكيمي والنصيري كعمل إستراتيجي رفع اللاعب إلى الأضواء التي لم يظهرها أصلا في المونديال، ولكنه عاد ليتوهج بالشكل الذي يلعب فيه وأكثر مع فريقه أجاكس.

النصيري .. أسكت الأفواه 
وبعد أن صب الكثير من الأفواه الأثيرية إنتقادهم لإختيارات هيرفي رونار للاعبين لا يملكون التنافسية وبخاصة على مستوى الخط الهجومي في شخص النصيري وغيره، جاء الرد قويا من اللاعب نفسه ليؤكد شرعية هدفيه في مرمى المالاوي مع إهداره للكثير من الفرص المتاحة والطريقة المثلى التي كان يتعامل بها مع النزالات العالية بالرأس بغض النظر عن غياب الرجل الأول بوطيب المصاب رغم أنه حاضر مع الفريق الوطني. وكثير من المحللين أساؤا فعلا لأنفسهم ولأبواقهم وبدوا ما بعد تألق النصيري وكأنهم يوجهون لهيرفي رونار رسالة عتاب محبة لأنهم أخطأوا في حقه وفي إختياراته لسبب واحد هو أن أزارو كان هو المفضل والمطروح بقوة والأكثر تنافسية في نظرهم على النقيض من النصيري. وفي كل الأحوال نجح رونار في إختيار النصيري ونجح النصيري في الرد على رونا بنصر كبير. ومن جانبه أيضا عزز أمرابط تلك الصورة المقاتلة بأداءه في المونديال رغم أنه غير قميصه الهولندي بالقميص السعودي، ولكنه حافظ على نفس النهج والحماس والرعب والحسم الأخير مثلما أكده في رسالة الهدف الثاني الذي منحه للنصيري، مع بنود أخرى قدمها في الرواقين الأيمن والأيسر على مستوى الكرات العرضية. فيما أظهر الكعبي نسبيا أداءه المتوسط خلال 12 دقيقة الأخيرة بمناوشات محتشمة إفتقدت للفعالية ما يدعو الرجل إلى الإشتغال أكثر في البطولة الصينية.

مزراوي  وآخرون 
واستحضر الوافد الجديد نوصير مزراوي زميل زياش بأجاكس مؤهلاته ليكون العلامة الجديدة بالمنتخب الوطني ويسجل إسمه في أول مباراة رسمية قطع فيها الطريق على المنتخب الهولندي كليا. وما 20 دقيقة التي لعبها بديلا لدرار إلا دليل قاطع على أن الرجل دخل بسرعة في أجواء الفريق الوطني وفي الشخصية التي يبني عليها رونار روح الجماعة كمدافع أيمن جديد قدم الشهادة المثلى لمدافع عصري في المقاومة الدفاعية والرصد المنهجي للرواق الأيمن على مستوى الهجوم مثلما جسده في بعض الدقائق. أما الدولي أمين حاريت فتم تغييبه لسبب عقابي من لدن رونار الذي لا يعرف مطلقا معنى للتسيب المغالى فيه حماية للعرين لكون اللاعب خالف القانون الداخلي للفريق في بعض المواقيت. 
وفي النهاية يمكن إعتبار حضور الفريق الوطني أمام المالاوي بنفس لحمة المونديال التي أظهرها على كل المستويات، وبخاصة في رسم ذات الهوية والجماعية والروح العامة أبدت تلك العلاقة الحميمية مع الجمهور، وأبدت إحترام النهج وإرادة الفوز والسيطرة على كل المواقع وتقارب كل اللاعبين على مستوى الخطوط. وهذا هو مؤشر الفريق الوطني الذي رفعه إستراتيجيا نحو الفوز بدون التقيد بالتنافسية وزكى تلك الصورة المونديالية بكل أوجه التلاحم والإنسجام أيا كانت التغييرات التي تدخل أيضا في نظام المجموعة.