أيا كانت الطريقة التي تمت بها الطبخة وأيا كانت المقاربات التي أعتمدت من قبل المكتب المديري للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في إطلاق الإدارة التقنية الوطنية لتبدأ في الإشتغال على المرحلة القادمة، بعد سنوات أصرت فيها الكرة المغربية على العمل خارج الزمن الكروي الحديث، إلا أن ما نشهده اليوم والجامعة ترفع العناكب عن جحر هو الأهم على الإطلاق بين كل جحور كرة القدم، يقول على أن هناك فعلا إجرائيا والتزاما بالمواثيق ووفاء بالعهود، لأنه بعد أشهر قليلة من تسمية الناخب الوطني الجديد وتعيين ناخبين للمنتخبات الوطنية الأخرى، ها نحن نشهد اليوم الإعلان عن الإدارة التقنية الوطنية التي قلت قبلا أنها ردما للهوة السحيقة وتداركا لما فات من الزمن لا بد وأن تأتي بصورة المؤسسة، متمتعة بالإستقلالية الكاملة وبالشخصية النافذة في صناعة القرارات ومحتكمة على الكفاءات التي بمقدورها أن لا تجعل من هذه الإدارة التقنية ترفا وتكملة للديكور، ومرصود لها ما يكفي من الإمكانات المادية واللوجستيكية.
بالقطع لا أستطيع مع التكتم الكبير الذي تحيط به الجامعة مولد هذه الإدارة، أن أخمن الأسلوب الذي ستأتي به هذه المؤسسة وإن كان هناك ما يقول بأن البناء العاقل الذي يستطيع أن يعطي للإدارة التقنية الهوية التي تحتاجها اليوم لتكون متطابقة مع العصر، يوجب تجميع الكفاءات وتوزيعها بطريقة عاقلة لا مزايدة فيها والعمل وفق إستراتيجية متعددة الأبعاد بهدف الوصول خلال أمد قريب إلى ما أعتبره شخصيا شرط الكرة المغربية الوحيد للمنافسة قاريا من أجل الإطلالة مجددا على العالمية، إدارة تقنية وطنية قائمة بذاتها تكون بيتا للكفاءات التقنية الوطنية وتكون حامية للهوية الكروية المغربية وتكون مهندسة المستقبل الكروي القريب.
نحدث أو تكون لنا النية لإحداث الإدارة التقنية الوطنية وأكثرنا يفكر في الأدوار التقليدية التي تناط في العادة بهذه المؤسسة، ما بين تحديد للهوية وما بين وضع لمقاربة تكوينية متعددة الأبعاد وما بين قراءة علمية للممكنات لمطابقتها مع قارتنا الإفريقية، إلا أن هناك حاجة لمعالجة بعض الظواهر التي تبرز في مشهدنا الكروي، ظواهر صحية وظواهر غير صحية.
لا بد أن أكثركم سمع بالدخول المتواتر للأطر التقنية الأجنبية من دول أوروبية ودول عربية شقيقة، دخول من المرجح أن يكبر مع مرور الوقت بسبب ما أصبحت البطولة الإحترافية الوطنية تروجه عن نفسها من أنها بطولة تحتكم للإمكانات المادية التي تغري مدربين ولاعبين بشد الرحال نحو المغرب، وهو دخول لا بد وأن يكون موضوع قراءة ومحل بحث وتقص.
ليس الهدف أن نتعاطى مع الظاهرة بنوع من الشوفينية التي تنتصر للإطار الوطني، ولو أنني أتساءل عن جدوى الخطاب الذي رددته مديرية التكوين داخل الجامعة من أن هناك خصاصا على مستوى الأطر العليا التي بمقدورها قيادة الأندية المنتمية للبطولة الإحترافية، بينما واقع الحال يقول أن ستين بالمائة من الحاصلين على رخصة «الكاف ألف» يعيشون عطالة كبيرة، ولكن الهدف من مقاربة الظاهرة، المقاربة الفنية التي لا مجال فيها للعاطفة هو أن نحمي أولا الكفاءة التقنية الوطنية بفرض سقف لا يمكن النزول عنه في الإرتباط بمدربين غير مغاربة، كأن يكون كل مدرب يأتي للعمل بالمغرب مستجيبا فوق رخصة ألف على معايير يتم تحديدها والتوافق عليها، وهو أن نصل ثانيا وهذا هو الأهم إلى إستقطاب مدربين أجانب يقدمون الإضافة القيمية الفنية والرياضية للأندية الوطنية التي هي قاعدة وجوهر الهرم الكروي، مدربون يستجيبون بالكامل للمحددات الفنية والعلمية والخبراتية التي تحددها الإدارة التقنية الوطنية.
لماذا لا نسمع بمدربين مغاربة يقودون أندية تونسية ومصرية وجزائرية، بالرغم مما لهم من كفاءة؟
عندما نقلب السؤال نقترب من الإجابة ونعرف السبب الذي يبطل معه العجب.
.........................................................
لو كان هناك شيء يمكن أن يضعه المنتخب البرازيلي في المتحف مع العظماء الذين مروا على المنتخب البرازيلي وعزفوا به أجمل السيمفونيات، فهو قائم مرمى ملعب ماغالياش بينتو ببيلو أوريزونتي الذي خاض به زملاء نيمار مباراة الثمن أمام الشيلي رمز لاروخا بأمريكا اللاتينية وكسبوها بضربات الحظ.
هذا القائم كان بالفعل هو بطل المباراة، فقد رد في الدقيقة 120 التي تؤشر لنهاية الشوطين المضافين قذيفة لمهاجم الشيلي ماوريسيو بينيا الذي عوض أرثور فيدال، ثم عاد وتصدى بالنيابة عن حارس البرازيل الرائع خوليو سيزار لكرة غونزالو خارا رييس من خامس ضربة ترجيحية للشيلي، مع ضياعها مر المونديال بمحاذاة سقوط كان سيكون بالفعل كارثيا لمنتخب البرازيل.
بالقطع لم أر في منتخب البرازيل ما يغير قناعتي بأنه لا يقدم للعالم صورة من الإعجازات الكروية التي مرت على الكرة البرازيلية منذ أكثر من نصف عقد من الزمان، فهذا الفريق بالفلسفة التي يتبناها مدربه سكولاري يدخل في إطار ما أعتبره جريمة ارتكبت في حق المنتخب البرازيلي منذ سنة 1982، محاولة أوربته ليكون متطابقا بحسب الخبراء مع حجم ومتطلبات الكرة الحديثة، بينما الحقيقة أن المنتخب البرازيلي بدأ تدريجيا في التخلي عن المبنى الجمالي والإبداعي الذي أسس له جيل العمالقة من توستاو وجاييرزينهو والأسطورة بيلي مرورا بزيكو وانتهاء بسقراطيس، لا يقدم المنتخب البرازيلي بدليل ما شاهدناه من مباراته أمام المكسيك في الدور الأول وأمام الشيلي في الدور ثمن النهائي، الدليل على أنه يسير يافعا وحالما وواثق الخطوة نحو اللقب العالمي، فهناك في طريقة الأداء وفي أسلوب اللعب وفي الإبتعاد عن روح الخلق والإبتكار والإنغلاق في فلسفات اللعب الصارمة، ما يقول بأن المنتخب البرازيلي إن بلغ الشرفة الأخيرة المطلة على اللقب العالمي فإنه سيبلغها بمعاناة وبابتسامة حظ، كالتي حضرت في مباراة الشيلي فجنبت البرازيليين محرقة جديدة.