لو أجزنا أن ملعب شيخا ولد بيديا الذي استضاف بعشبه الإصطناعي السيء مباراة موريتانيا والمغرب، أساء بمعية الرياح المعاكسة لوجه المباراة وعطل جزءا من الأداء الجماعي للفريق الوطني، فهل غير ذلك نجد مبررا للرتابة، بل وللهشاشة التي طبعت أداء الفريق الوطني في هذه المباراة، التي كنا نتطلع جميعا إلى أن تكون ضمانة جديدة يقدمها أسود الأطلس عن إرتقاء منظومة اللعب لمسويات تتطابق جماعيا مع الخامات التقنية الفردية؟ بالقطع لا نستطيع أن نبالغ في إلتماس الأعذار وفي إيجاد المبررات لهذا السوء الذي طبع شكل الأداء وأحاله لنمطية مرفوضة، فلو فرضنا أن اللاعبين تأثروا سلبا بالمؤثرات الخارجية من عوامل مناخية وبأرضية الملعب السيئة، فإن ذلك ما كان ليصل بهم إلى تلك الركاكة التي طبعت الأداء، حيث أبدى أسود الأطلس بخلا كبيرا في إنتاج طاقة الخلق وأيضا في السيطرة على كل الشوائب التي طبعت المباراة. صحيح أن وحيد خاليلودزيتش دخل هذه المباراة بحس هجومي سعيا منه لتحقيق انتصار إستراتيجي، فبرغم أن الفريق الوطني وهو يتأهب لدخول المباراة علم بأن تأهله لنهائيات كأس إفريقيا للأمم 2021 بالكامرون تم حسمه بشكل نهائي بعد التعادل الذي آلت إليه مباراة بوروندي وإفريقيا الوسطى، إلا أن دوافع كثيرة جعلت الناخب الوطني يراهن على تحقيق الفوز لما ينطوي عليه ذلك من محاسن، أولها الحفاظ على دينامية الإنتصارات، وثانيها كسب مزيد من النقاط في ترتيب الفيفا، غير أن ما شاهدنا على أرضية الملعب لم يجسد أبدا تلك الإرادة الهجومية التي عبر عنها وحيد خاليلودزيتش، ولربما جازف كثيرا بعدم الإعتماد على لاعبين بمقدورهم السيطرة على أرضية الملعب السيئة، فما بدا واضحا أن هذه المباراة بأرضية الملعب وبالعوامل المناخية ما كانت لتسمح للاعبين من أمثال حكيم زياش وأشرف حكيمي بإبراز كعبهم العالي. وإلى جانب الأداء الرتيب والركيك للعناصر الوطنية، التي بدا وكأن الكثير منها أراد إنهاء المباراة بأسرع وقت ممكن، فإن المباراة لم تظهر قدرة الأسود على صناعة الفارق وأيضا على إنتاج فرص للتهديف، ما كان يعني أن حلقة كانت مفقودة في هذا الأداء الجماعي. ومع غياب الحافز الذهني وتكالب الظروف المعاكسة، بالغ أسود الأطلس في التعبير عن عدم قدرتهم على السيطرة فنيا وتكتيكيا، ليس فقط على منافس عض بالنواجد على فرصه، ولكن أيضا على المعيقات الإستراتيجية التي تحدثنا عنها، لقد كنا بحاجة إلى أن يظهر الأسود شراسة وإصرارا على تحدي هذه الظروف المعاكسة، فمن يدري قد يصادفنا في مشاويرهم الإفريقية ظروفا مماثلة، وتكون الحاجة عندها إلى تحقيق الفوز بأي ثمن. ولئن حاول كلنا التخلص من هذه المباراة التي لا يليق بالفريق الوطني أن يحتفظ بأي صور منها، إلا أن مباراة نواكشوط يجب أن تظل مرجعا للكشف عن العورات التكتيكية والقصور التقني الذي أظهرته بعض العناصر الوطنية، بل إن مباراة موريتانيا يجب أن تكون للناخب الوطني بالأساس مرآة عاكسة، أولا لحالة الإحتباس التي تضرب الأداء الجماعي من وقت لآخر، وثانيا لحجم العمل الذي يجب أن ينجز بوثيرة زمنية متسارعة من أجل أن يكون لهذا الفريق الوطني أسلوب لعب مرن وسلس وجذاب، لا نمطية فيه ولا يظهر هشاشة في مثل هذه الوضعيات الإستثنائية.