نكذب على أنفسنا لو قلنا، أن ما أنجزه الفريق الوطني وهو يحقق على غرار أسود التيرانغا التأهل للدور التصفوي الحاسم قبل جولتين من نهاية دور المجموعات، كان متوقعا أو أن هناك من حدسه، بل إن الحقيقة التي لا مجال لطمس معالمها، أننا كنا نضع أيدينا على قلوبنا والفريق الوطني يتأهب لدخول سلخانة التصفيات المونديالية، عطفا على ما شاهدناه من ركاكة في الأداء الجماعي، وما وقفنا عليها حزنين ومتوجسين من ميلاد قيصري لمنظومة اللعب.

ما أنجزه الأسود بتحقيقهم للعلامة الكاملة والمضيئة، وهم يختتمون رقصة الأطلس برباعية ما أجملها، في مؤجل الجولة الثانية أمام منتخب غينيا، يقول أن الفريق الوطني قطع دابر الشك ودمر أعشاش الخوف وبرز بلغة الأرقام كمنتخب قوي مرشح فوق العادة ليكون بين الخمسة المتأهلين عن إفريقيا لمونديال قطر، وسيكون من المضحك المبكي أن ترتفع الأصوات في حضرة هذه الأرقام المثيرة والقوية التي تقترن بمسار الأسود في فاصل التصفيات، لتشجب أو تسود الأفق أو أن تختلق الذرائع للقول بأن الفريق الوطني لم يفعل شيئا سوى أنه هزم في مباريات لعبها بالكامل على أرضه، منتخبات ضعيفة لا مكان لها بين الصفوة، والحال أننا نتغنى بانتصارات عريضة لمنتخبات أخرى فازت على منتخبات هي أضعف بكثير من تلك التي قابلها أسودنا.

لا نية لي على الإطلاق لكي أعطي لهذا الذي حققه الفريق الوطني في مسار التصفيات المونديالية لبوسا فضفاضا يرمز للخيلاء، فأنا مع الكثيرين من أن ورش بناء منظومة لعب متطابقة مع روح العصر وقادرة على أن تستوعب كل هذه المهارات الفنية التي يتمتع بها أسودنا، ما زال في بدايته، وإن كان وحيد خاليلودزيتش قد أنفق زمنا طويلا نسبيا في تحديد هوية المنظومة فله عذره في ذلك، إلا أنه مع التحفظ الكامل، على القول والإدعاء بأنه أصبح لنا فريق وطني لا عيوب تكتيكية فيه، يجب أن نركن للأرقام لأنها كما أقول دائما لا تكذب.

الفريق الوطني مع المنتخب السينغالي وصيف بطل القارة، والموصوف من الكثيرين بالمنتخب المدجج بالمهارات الخارقة، حقق التأهل المبكر للدور الإقصائي الحاسم قبل جولتين من نهاية الدور الحالي بتحقيقه العلامة الكاملة، ليس هذا فقط بل إنه يعتبر صاحب ثاني أفضل خط هجوم (14 هدفا) وبالهدف الذي دخل مرماه في مباراة الثلاثاء أمام غينيا يوضع الآن كثاني أفضل دفاع في التصفيات (استقبل هدفا واحدا في أربع مباريات)، هذه الأرقام القوية والمستفزة للبعض، والمثيرة لإعجاب الكثيرين، لم تأت من عدم، بل إنها بلورة لاجتهادات لاعبين، وانعكاس لفكر مدرب وأيضا تأكيد على صحية المناخ الذي يسود عرين الأسود، وفوق هذا وذاك هي مؤشر حقيقي على أن هذا الفريق الوطني يتطور، قد يفعل ذلك ببطء لكن المؤكد أنه يتطور.

وإذا ما كنا نرى أن في تباث وحيد خاليلودزيتش على نواة صلبة وعلى شاكلة مما سيختار هو وتكون متطابقة معمؤهلات الأسود، فرضية ضمن كثير، إلا أن خروجه عن هذه الثوابت كما كان الحال في مباراة غينيا التي اختار أن يواجهها بتشكيل بشري اختفي منه لاعبان هما ماسينا وإلياس شاعر، وبشاكلة مختلفة عن التي واجه بها ثعالب غينيا بيساو، لا يدل بالقطع على ضياعه التكتيكي ولكن لهروبه من النمطية أولا ولمباغثة المنافس ثانيا واللعب على نقاط قوته ثالثا، وبرغم ما اشتكت منه شاكلة (3-5-2) من اختناق بسبب عدم فعالية التنشيط التكتيكي، إلا أنها أدت ما هو مطلوب منها وهي تقود الفريق الوطني للفوز على منتخب غينيا بحصة ثقيلة لا تترجم الأداء القوي الذي قدمه منتخب السيلي.

الحقيقة المطلقة في كل الذي شاهدناه في المباريات الثلاث أمام الغينيتين، هي أن الفريق الوطني كان أول الواصلين للدور التصفوي الأخير، هذا ليس معناه أنه سيجعل من مباراتي الجولتين الخامسة والسادسة أمام السودان وغينيا، نزهتين كرويتين يدخلهما بلا ضغط، فالمباراتان معا تمثلان قيمة كبيرة للفريق الوطني، الفوز بنقاطهما كاملة أمر ضروري للتأهل بالعلامة الكاملة ولتقوية رصيد النقاط ولرفع مؤشرنا في ترتيب الفيفا.