شهدت سنوات الخمسينيات من القرن الماضي ثورات وغليانا سياسيا في مجموعة من الدول الإفريقية التي هاجت شعوبها وإستفاق رؤساؤها وثار أطفالها، فنزع جلها جلباب الذل والعبودية والهوان وإرتدوا بِدل البطولة وأقمصة التحرر والكبرياء والإستقلال، فأخذت البلدان تتسابق نحو تدوين عرائض المطالبة بالحرية وتخليص حدودها وموانئها وسماواتها من قيود الإستعمار والخنوع وإستنزاف الثروات.
ولأن الشعوب الثائرة لا يوقفها رصاص أو تهديد أو إعدام فقد أخذت دول القارة السمراء تنتزع إستقلالها تباعا وتنتفض في وجه المستعمرين، فشرعت في تطهير بيوتها وتكوين شخصياتها سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وحتى رياضيا، حيث آمنت بأن الرياضة خير وسيلة لتأكيد شرعيتها على المستويين القاري والدولي.

• الكرة قنطرة لتوحيد الشعوب
بعدما توفقت بعض البلدان في نيل حرياتها السياسية كاملة، فكر مجموعة من زعمائها في الإندماج والتوحد وإختاروا الرياضة وتحديدا كرة القدم كقنطرة للعبور ولغة لتوحيد الشعوب، إلى جانب تفريغ طاقاتهم ومواهبهم وخلق جو من التنافس والتباري في كنف الحرية والديمقراطية، ونظمت بعض الدول صفوفها وشكلت أجهزتها الكروية لتنضمّ إلى طابور الفيفا في إعتراف صريح ومؤكد على المستوى الرياضي هذه المرة بعدما كسبت إعتراف مجلس الأمن والأمم المتحدة سياسيا.
وفي يوم 8 يونيو 1956 وعلى هامش إجتماع للإتحاد الدولي للعبة بالبرتغال، إستغل مجموعة من الأعضاء الأفارقة الجدد الحدث، ليجتمعوا فيما بينهم ويقرروا إنشاء كونفدرالية إفريقية يلم الأسرة القارية بشكل مستقر إداريا وماليا وتقنيا وتابع للفيفا كرويا، حيث إحتضن فندق أفينيدا بلشبونة جلسة جمعت بين عبد العزيز سالم، محمد لطيف، يوسف محمد (مصر) وعبد الرحيم شداد، بدوي محمد، عبد الحليم محمد (السودان) ووليم فيل (جنوب إفريقيا)، تقرر على إثرها إطلاق إتحاد قاري لكرة القدم أسندت رئاسته للمصري عبد العزيز سالم، والإتفاق على إنشاء كأس إفريقية للأمم مفتوحة أبواها في وجه الدول الأعضاء.
• صرخة الميلاد في فبراير 1957
بعد إجتماع لشبونة بثمانية أشهر وبعد مصادقة الفيفا على ولادة الكاف، عُقد الجمع التأسيسي للكونفدرالية الإفريقية بالخرطوم في فبراير 1957 حيث سُنت القوانين التنظيمية للجهاز وكذا المسابقة القارية والتي قُص شريطها في العاشر من ذات الشهر بمشاركة ثلاث دول أعضاء وهم السودان المستضيفة ومصر وإثيوبيا.
وقرر الكونفدرالية الإفريقية على هامش إجتماعه التأسيسي، أن تقام البطولة كل سنتين تحت إشراف لجنة التنظيم والدولة المضيفة، وبأهداف إنسانية ورياضية في مقدمتها تكسير حواجز اللغة والدين وتقريب المسافات بين الشعوب والإنفتاح على ثقافاتها، إضافة إلى مقاصد تقنية تهم الكشف عن المواهب الكروية وتطوير اللعبة بخلق أجواء تنافسية ترفع مستويات المنتخبات الإفريقية لتضاهي نظيراتها العالمية.
ولأن القرار الإداري خرج إلى حيز الوجود، فقد كان لا بد للمسابقة أن ترى النور بأسرع وقت وهو ما تحقق بعدما تقدم الدكتور السوداني عبد الحليم محمد بطلب تنظيم أول نسخة على أرض بلاده وحملت الدورة إسم رئيس الكوتفدرالية الإفريقية أنذاك المصري عبد العزيز عبد الله سالم.
•الخرطوم تستضيف ومصر أول بطل
يومان فقط على مرور الإجتماع التأسيسي، أُعطيت صافرة الإنطلاقة لكأس أمم إفريقيا بالملعب البلدي بالخرطوم الذي شُيد في زمن قياسي خصيصا للحدث، وقدِمت ثلاثة أطراف لتتنافس على اللقب الأول ويتعلق الأمر بالسودان المضيف ومصر وإثيوبيا بعد إنسحاب جنوب إفريقيا.
وقد أجريت القرعة وأسفرت عن تأهل مباشر للمنتخب الإثيوبي للمباراة النهاية فيما أُجبر السودانيون على مقارعة الجارة مصر في المباراة الإفتتاحية والتي أعطى إنطلاقتها رئيس الوزراء السوداني السابق إسماعيل الأزهري وسط حضور جماهيري مكثف فاق 30 ألف مناصر.
ولأن الفراعنة كانوا جاهزين للعرس فقد تمتعوا بالشجاعة والحماس وأطاحو بالسودان 2-1 ليعبروا للنهاية، حيث نازلوا إثيوبيا ودكوا شباكها برباعية نظيفة، ليُكتب إسم مصر على صدر الصفحة الأولى لكتاب المسابقة كأول منتخب يفوز باللقب القاري في مسابقة بدائية وعشوائية إمتدت لأسبوع وإحتضنت مقابلتين فقط بمستوى كروي هزيل ودنئ.
وقد قاد المدرب مراد فهمي كثيبة فرسان النيل، وتوج الهداف محمد دياب العطار «الديبة» كهداف الدورة ب5 أهداف.